بأصالة التأخر لانتقاضه بيقين سبق الاستعمال في الجملة تحقيقا للغلبة فلا يترتب الثمرة أقول يقين السبق المحصل للغلبة لا ينافي ترتب الثمرة بل يحققها إلا أن يكون المراد ترتبها من حيث الوضع لكن يهون معه أثر المنع وأيضا إنما يرفع اليقين الاجمالي حكم الأصل على تقدير تسليمه إذا أدى إلى عدم حصول الظن به حيث يكون التعويل عليه من حيث إفادته كما في المقام وهو ممنوع ولا ثمرة بين القول بالنفي مع إثبات النقل في زمانه صلى الله عليه وآله وبين القول بالاثبات تعيينا أو تعينا على تقدير العلم بالتأخر وكذا مع عدمه إن عملنا أصل التأخر وإلا فالثمرة ظاهرة بين القول بثبوتها بالوضع التعييني وبين القولين الآخرين إذ الغالب تأخر الاستعمال عن زمن النقل التعييني ولا ثمرة بينهما ومما قررنا يتضح الحال في الثمرة بين المذهب المختار وبين سائر الأقوال ثم أقول ولقائل أن يرفع الثمرة ويلتزم بحمل هذه الألفاظ حيثما وردت في كلام الشارع مجردة عن القرينة على معانيها الشرعية وإن لم يثبت نقلها ويستند في ذلك إلى أمور الأول أن الغالب المتداول استعمال الشارع لها في معانيها الشرعية لمسيس الحاجة إليه دون معانيها اللغوية فحيثما وردت في كلامه تعين حملها على المعنى الشرعي إلحاقا لها بالأعم الأغلب لكن هذا لا يطرد في جميع الألفاظ الثاني أن هذه الألفاظ قد اشتهرت في عرف الشارع في معانيها الشرعية كما مر فحيث لا يعلم تقدم استعمالها على زمن الاشتهار كما هو الغالب فقضية الأصل تأخره ومعه يتعين حملها على معانيها الشرعية وإن لم يثبت النقل تقديما للمجاز المشهور وهذا أيضا لا يطرد الثالث أن الشارع قد استعمل هذه الألفاظ في معانيها الشرعية أضعاف ما نقل إلينا قطعا لما مر واستعماله إياها في غير معانيها الشرعية زائدا على القدر المعلوم غير ثابت فحيثما نجد استعماله إياها من دون قرينة يتعين حملها على القسم الأول لأنه المتيقن صدوره عنه دون القسم الثاني للشك في صدوره عنه والأصل عدمه فإن استشكل هذا بأنه لا ريب في أن الشارع قد استعمل ألفاظ كثيرة في معانيها اللغوية فينتقض الأصل بهذا اليقين الاجمالي فالجواب عنه ما مر فصل اختلفوا في أن ألفاظ العبادات هل هي أسام للصحيحة أو الأعم منها والفاسد وهذا النزاع إنما يتفرع على القول بأن هذه الألفاظ موضوعة بإزاء معانيها الشرعية سواء قيل بالتعيين أو بالتعين في زمان الشارع أو غيره وأما على ما عزي إلى الباقلاني من أنها باقية على معانيها اللغوية كما مر فإن أراد بقاءها على تلك المعاني إلى زماننا هذا فالنزاع لا يتوجه إليه ووجهه ظاهر ومن محققي المتأخرين من فرع النزاع على القول بأن هذه الألفاظ مستعملة عند الشارع في معانيها الشرعية سواء كان بالنقل أو لا ووافقه فيه بعض المعاصرين وفيه نظر إذ لا ريب في أن الشارع قد استعمل هذه الألفاظ كلا أو بعضا في غير الصحيحة كما سيأتي فكيف يتأتى لاحد إنكار ذلك نعم ربما يتصور النزاع في أنه هل الأصل استعمال الشارع لها في المعاني الصحيحة على تقدير إرادة معانيها الشرعية أو الأعم منها ومن الفاسدة فلا يتوقف على تقدير ثبوت النقل لكنه بعيد عن التحرير المعروف وقولهم له هي أسام للصحيحة أو الأعم ظاهر أو صريح في أن النزاع فيه بحسب الوضع لا مطلق الاستعمال ودون التأويل فيه خرط القتاد ويساعد على ما ذكرنا ظاهر الأدلة الآتية ثم المراد بألفاظ العبادات ما يكون مداليلها ماهيات مخترعة في الشرع للتقرب بها كالصلاة والزكاة والحج و الصوم دون ما ليس كذلك كالزيارة و العيادة والقرأة والركوع والسجود فإن المدار فيها على أوضاعها اللغوية والعرفية وما ثبت لها في الشرع من شرط فإنما هو شرط لرجحانها ومطلوبيتها لا لحصول ماهياتها ومسمياتها فإن القراءة المباحة أو المرجوحة قراءة حقيقة وكذا الزيارة والعيادة وغير ذلك وهذا ظاهر لا سترة عليه وأما ألفاظ المعاملات فسيأتي تحقيق القول فيها إذا تقرر هذا فالحق ما ذهب إليه الأولون لنا وجوه الأول تبادر المعاني الصحيحة منها وقد مر أنه علامة الحقيقة و صحة سلب الاسم عن غير الصحيحة وعدم تبادر المعنى الأعم منها و قد تقدم أنهما علامة المجاز فتكون حقائق في الصحيحة مجازات في الفاسدة لا يقال إن أريد بالتبادر ما يكون ناشئا عن الاطلاق فبعد تسليمه لا يثبت المقصود وإلا فممنوع وصحة سلب الاسم عن الفاسدة لعلها مبنية على التأويل بتنزيل الفاسدة منزلة أمر مغاير للماهية نظرا إلى عدم ترتب الفائدة المقصودة منها عليها فلا تدل على كونها مجازا فيها لأنا نقول معيار الفرق والتميز في نظائر المقام إنما هو الوجدان ونحن إذا رجعنا وجداننا وجدنا المعاني الصحيحة متبادرة من تلك الألفاظ مع قطع النظر عن إطلاقها و وجدنا صحة سلبها عن الفاسدة من غير ابتناء على التأويل فلا يصغى إلى المنع المورد على المقامين الثاني لا ريب في أن في الشرع ماهيات مخترعة مطلوبة هي ذوات أجزاء وشرائط قد تصدى الشارع لبيانها ببيان أجزائها وشرائطها وأحكامها وحث في المواظبة عليها وظاهر أن هذه ليست إلا العبادات الصحيحة وحيث كان أسهل طرق التفهيم والتفاهم بتأدية الألفاظ مست الحاجة إلى نصب ألفاظ على تلك الماهيات أما بالوضع فقضية الحكمة والعبادة حينئذ أن يكون الوضع بإزاء تلك الماهيات المطلوبة لا الأعم منها لئلا يختل فهم المراد في الموارد التي هي أهم موارد استعمالاتها مع ما فيه من الاقتصار على قدر الحاجة وأما بالتجوز فلا يكون المستعمل فيه في أكثر الموارد كموارد الامر والبيان في ذكر الشرائط والاحكام و نحو ذلك إلا تلك الماهيات لا الأعم منها لعدم تعلق الطلب حقيقة إلا بها وعدم تعلق القصد ببيان غيرها وعدم كون الشرائط والاحكام ثابتة لغيرها وظاهر أن هذه الموارد هي معظم موارد استعمال هذه الألفاظ حتى إنه يندر استعمالها في غيرها فتصير تلك الألفاظ حقائق في تلك الماهيات بالغلبة وهو المطلوب لا يقال يجوز أن يكون قد تجوز بها واستعملها في المعنى الأعم وأطلقها على المعنى الذي أراده من باب إطلاق العام على الخاص لا من حيث الخصوصية لئلا يلزم سبك مجاز من مثله لأنا نقول هذا بعيد فإن الظاهر ممن تجوز بلفظ في معنى اخترعه أنه تجوز به فيه لا في غيره ولا ينبغي التأمل في حجية مثل هذا الظهور في مباحث الألفاظ وكذا الكلام لو قلنا بصيرورتها حقائق بغلبة الاستعمال
(٤٦)