لا يقال يمكن دفع الأول بمخالفته للظاهر من مقام الاستدلال والثاني بأن قول الاخر حينئذ إن كان ثابتا بين الأقوال فترك الاحتجاج له به ظاهر في عدمه كما مر وإلا فهو خرق للاجماع المركب فيعلم به بطلانه وبطلان دليله لأنا نقول أما الأول فمدفوع بأن التعويل في ذلك على الظاهر يصير الاجماع ظنيا فيسقط عن الحجية وأما الثاني فالوجه الأول منه مدفوع بما مر وندفع الثاني بأن المقصود إن كان مساعدة المخالف على حجة الخصم على تقدير فساد دليله فهو لا يثبت بالبيان المذكور لجواز عدم تحقق الاجماع عنده أو أنه على تقدير فساد دليله يرى التوقف أو الاحتياط ولا يبني على ما يقتضيه دليل الخصم على أنه لا خفاء في أن المخالف إنما يبني على ما يقتضيه دليل الخصم على تقدير بطلان دليله بحسب الواقع لا بحسب ظن الخصم غاية ما في الباب أن الخصم يظن غالبا بطلانه بحسب الواقع وهذا لا يوجب إلا الظن بمساعدة المخالف غالبا دون القطع به كما هو المعتبر في الاجماع مع أن بطلان الدليل لا يوجب بطلان المدعى فالقطع بالأول لا يوجب القطع بالثاني كيف ولو تم ذلك لكانت جميع المسائل الاجتهادية إجماعية لعين ما ذكره ولا سترة بفساده وبالجملة فالمدار في الاجماع عندنا على القطع بموافقة المعصوم وظاهر أن الطريق المذكور بمجرده لا يوجبه وهنا فوائد الأولى أحدث بعض متأخري المتأخرين في المقام قولا ثالثا ففصل بين الأجزاء والشرائط فاعتبر الأول في صدق الاسم دون الثاني وفرع عليه صحة التمسك بالأصل في نفي الشرط الاحتمالي دون الجز الاحتمالي وكأنه ينظر إلى أن جز الشئ داخل في ماهيته ومقوم لحقيقته فيتعين اعتباره فيه بخلاف الشرط فإنه إنما يعتبر في المطلوبية ولا مدخل له في الصدق وأن أدلة القول بالصحة لا تساعد على اعتبار ما زاد على الأجزاء في صدق الاسم وأدلة القول بالأعم لا تنفي اعتبار ما عدا الشرائط وضعفه ظاهر لأنه إن عول في ذلك على التبادر الظاهري فلا فرق فيه في الصدق بين فوات جز أو شرط وإن عول على التحقيق الذي أسلفناه فهو يقتضي اعتبار الشرائط كالأجزاء ودعوى أن الأجزاء معتبرة في الماهية إن أريد بها الماهية المطلوبة فالشرائط أيضا كذلك أو مطلق الماهية فممنوع أو الماهية الموضوع لها فمصادرة الثانية الحق أن ألفاظ المعاملات أيضا موضوعة بإزاء الصحيحة فقط سواء قلنا بأنها أسام للآثار المخصوصة كتمليك العين في البيع و المنفعة في الإجارة أو تملكهما أو قلنا بأنها أسام للصيغ المستتبعة لها أما على الأول فظاهر إذ لا أثر في الفاسدة وظن من لا خبرة له بالواقع به غير مجد لان الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعية على ما هو التحقيق وأما على الثاني فلان وصف كونها محصلة لها معتبر في صدق الاسم للقطع بأن مثل عقد النائم والساهي والهاذل ليس عقد إلا بيعا ولا صلحا ولا نكاحا إلى غير ذلك وبالجملة فالحجة على ما نختاره تبادر الصحيحة عرفا وصحة سلب الاسم عن الفاسدة وإذا ثبت ذلك عرفا ثبت لغة وشرعا بضميمة أصالة عدم النقل وأما ما ثبت لها في الشرع من شرائط مستحدثة فإنما هي شرائط لتحقق معانيها اللغوية من الآثار أو العقد المستتبع للآثار فلا ينافي ما ذكرناه من عدم النقل نعم فرق بينها وبين ألفاظ العبادات بعد مساواتها إياها في ذلك من حيث إن المرجع في هذه الألفاظ عند الاطلاق إلى المعاني المتداولة والحقائق المعهودة بين أهل العرف بخلاف ألفاظ العبادات ومنشؤه أن العبادات ماهيات مخترعة في الشريعة ليس لأهل العرف واللغة خبرة بها وإن قلنا بأن أوضاعها لغوية كما مر فلا يمكن معرفتها إلا بتنصيص من الشارع بخلاف ألفاظ المعاملات فإن مداليلها كانت معروفة عندهم متداولة بينهم كغيرها من الألفاظ فمتى أطلقت ألفاظها لم ينصرف الذهن إلا إلى تلك المعاني فيتعين أخذها على حسب ما تداولت بينهم ما لم يقم دليل على اعتبار أمر زائد فيتبع الثالثة قال الشهيد رحمه الله في القواعد الماهيات الجعلية كالصلاة والصوم وسائر العقود لا يطلق على الفاسدة إلا الحج لوجوب المضي فيه فلو حلف على ترك الصلاة والصوم اكتفي بمسمى الصحة وهو الدخول فيها فلو أفسدها بعد ذلك لم يزل الحنث ويحتمل عدمه لأنها لا تسمى صلاة شرعا ولا صوما مع الفساد وأما لو تحرم في الصلاة أو دخل في الصوم مع مانع من الدخول لم يحنث قطعا انتهى والظاهر أنه يريد بقوله لا يطلق الاطلاق بطريق الحقيقة لا مطلق الاطلاق لان إطلاقها على الفاسد في الجملة مما لا سبيل إلى إنكاره ولا الاطلاق في الأوامر الشرعية كما توهمه بعض المعاصرين لأنه إن أراد بالفاسد الذي منع إطلاق الاسم عليه ما يكون فاسدا على تقدير عدم تعلق الامر به فلا ريب في أن جميع الأوامر المتعلقة بالعبادات متعلقة بما هي فاسدة بهذا المعنى ضرورة أن الصحة إنما تلحقها بعد تعلق الامر والطلب بها فلا يكون المنع المذكور معقولا وإن اعتبر الصحة بحسب الواقع فلمانع أن يمنع لزوم تقدمها على الامر لجواز إنشائها به و إن أراد ما يكون فاسدا بالقياس إلى الامر المتعلق به فما ذكره في غير الحج غير مفيد وما ذكره فيه غير سديد لان ما تعلق به الامر لا يكون فاسدا بالقياس إليه بالضرورة كما يعرف من تعريفه وإن أراد ما يكون فاسدا بالقياس إلى أمر آخر فهذا مع بعده عن مساق كلامه مما لا يساعد عليه تفريع مسألة الحنث عليه كما لا يخفى هذا و فيما ذكره الشهيد نظر من وجهين أما أولا فإن وجوب المضي في فاسد الحج لا يقتضي كونه موضوعا بإزاء الأعم فإنه مع انتقاضه بفاسد الصوم حيث يجب المضي فيه مدفوع بعدم دليل يدل على الملازمة فإن قيل الحج الفاسد صحيح باعتبار الامر الثاني لموافقته له وإن كان فاسدا باعتبار الامر الأول فالتسمية فيه أيضا لاحقة للصحيح قلنا الامر الثاني إنما يتعلق بإتمامه لا بتمامه لامتناع تعلق الامر اللاحق بالفعل السابق ولا ريب أن الباقي بعض الحج فلا يكون حجا ولهذا لو نذر الحج لا تبرأ ذمته به نعم يصح وصف الافعال التي تقع بعد الافساد بالصحة بالقياس إلى الامر الثاني كما يصح وصفها بالفساد بالقياس إلى الامر الأول وأما ثانيا فلان ما ذكره من التمثيل بمن حلف على ترك الصلاة والصوم فارقا فيه بين ما إذا تلبس به صحيحا فيحنث أو فاسدا فلا يحنث غير مستقيم بظاهره لان الحلف المذكور حيث ينعقد يوجب انتفاء وصف الصحة عن مورده لامتناع توارد الأمر والنهي على شئ واحد فلا يتحقق الدخول فيه صحيحا ويمكن تنزيله على إرادة الصحة على تقدير عدم
(٥٢)