والنقل فيما يتعلق بغرائب القرآن وما فيها من الألفاظ المبهمة وما يتعلق به من الاختصار، والحذف والاضمار، والتقديم والتأخير، والمجاز والحقيقة، فمن لم يحكم ظاهر التفسير وبادر إلى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية كثر غلطه ودخل في زمرة من يفسر بالرأي، مثاله قوله تعالى: وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها، فالناظر إلى ظاهر العربية ربما يظن أن المراد ان الناقة كانت مبصرة ولم تكن عمياء والمعنى آية مبصرة، ثم لا يدري انهم إذا ظلموا أنفسهم أو غيرهم، ومن ذلك المنقول المنقلب كقوله تعالى: وطور سينين اي وطور سيناء، وكذلك باقي أجزاء البلاغة فكل مكتف في التفسير بظاهر العربية من غير استظهار بالنقل فهو مفسر برأيه، فهذا هو المنهي عنه دون التفهم لأسرار المعاني، وظاهر ان العقل لا يكفي فيه وانما ينكشف للراسخين في العلم بقدر صفاء عقولهم وشدة استعدادهم له، وللطلب والفحص والتفهم وملاحظة الاسرار والعبر، ويكون لكل واحد منهم حد في الترقي إلى درجة منه بعد الاشتراك في الظاهر، ومثاله ما فهم بعض العارفين من قوله (ص) في سجوده: أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، إذ قيل له: اسجد واقترب، فوجد القرب في السجود فنظر إلى الصفات فاستعاذ ببعضها من بعض فان الرضا والسخط وصفان متضادان ثم زاد قربه فاندرج القرب الأول فيه فرقي إلى الذات فقال: أعوذ بك منك، ثم زاد قربه
(٤٣)