أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ٥٦
وجاء في السنة (إن الله قد تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).
وقد بين الشيخ رحمة الله تعالى عليه هذا النوع في دفع إيهام الاضطراب على الجواب عن الإشكال الموجود في نسيان آدم، هل كان عن قصد أو عن غير قصد، وإذا كان عن غير قصد، فكيف يؤاخذ؟. وبين خصائص هذه الأمة في هذا الباب رحمة الله تعالى عليه، فليرجع إليه.
وإذا تبين المراد بالتحذير من مشابهتهم في النسيان، وتبين معنى النسيان، فكيف أنساهم الله أنفسهم؟ وهذه مقتطفات من أقوال المفسرين في هذا المقام لزيادة البيان:
قال ابن كثير رحمه الله: لا تنسوا ذكر الله تعالى فينسيكم العمل الصالح، فإن الجزاء من جنس العمل.
وقال القرطبي: نسوا الله أي تركوا أمره، فأنساهم أنفسهم أن يعملوا لها خيرا.
وقال أبو حيان: الذين نسوا الله هم الكفار تركوا عبادة الله، وامتثال ما أمر واجتناب ما نهى فأنساهم أنفسهم حيث لم يسعوا إليها في الخلاص من العذاب، وهذا من المجازات على الذنب بالذنب. إلخ.
وقال ابن جرير: تركوا أداء حق الله الذي أوجبه عليهم، وهذا من باب الجزاء من جنس العمل.
أما الزمخشري والفخر الرازي، فقد أدخلا في هذا المعنى مبحثا كلاميا حيث قالا في معنى * (نسوا الله) * كما قال الجمهور، أما في معنى * (فأنساهم أنفسهم) * فذكرا وجهين. الأول: كالجمهور، والثاني: بمعنى، أراهم يوم القيامة من الأهوال ما نسوا فيه أنفسهم كقوله تعالى: * (لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هوآء) *، وقوله: * (وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولاكن عذاب الله شديد) * ا ه.
وهذا الوجه الثاني لا يسلم لهما، لأن ما ذهبا إليه عام في جميع الخلائق يوم القيامة، وليس خاصا بمن نسي الله كما قال تعالى في نفس الآية التي استدلا بها * (وترى الناس
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»