أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ٤٨
من خير فللوالدين والا قربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم) * فبدأ بالوالدين برا لهما، وثنى بالأقربين.
وقال صلى الله عليه وسلم: (الصدقة على القريب صدقة وصلة، وعلى البعيد صدقة) ثم اليتامى وهذا واجب إنساني وتكافل اجتماعي، لأن يتيم اليوم منفق الغد، وولد الأبوين اليوم قد يكون يتيما غدا، أي أن من أحسن إلى اليتيم اليوم قد يترك أيتاما، فيحسن عليهم ذلك اليتيم الذي أحسنت إليه بالأمس، والمساكين وابن السبيل أمور عامة.
وجاء بالقاعدة العامة التي يحاسب الله تعالى عليها ويجازي صاحبها * (وما تفعلوا من خير) * أي مطلقا * (فإن الله به عليم) *، وكفى في ذلك علمه تعالى.
أما موقف المنفق وصورة الإنفاق: فإن هذا هو سر النفقة في الإسلام، وفلسفة الإنفاق كلها تظهر في هذا الجانب، مما تميز به الإسلام دون غيره من جميع الأديان أو النظم.
لأنه يركز على الحفاظ على شعور وإحساس المسكين، بحيث لا يشعره بجرح المسكنة، ولا ذلة الفاقة كما في قوله تعالى: * (الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله ثم لا يتبعون مآ أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) *.
ثم فاضل بين الكلمة الطيبة والصدقة المؤذية في قوله تعالى: * (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعهآ أذى والله غنى حليم) * يعطي ولا يمن بالعطاء.
وأفهم المنفقين أن المن والأذى يبطل الصدقة * (ياأيها الذين ءامنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والا ذى) * لما فيه من جرح شعور المسكين.
وقد حث على إخفائها إمعانا في الحفاظ على شعوره وإحساسه * (إن تبدوا الصدقات فنعما هى) * أي مع الآداب السابقة * (وإن تخفوها وتؤتوها الفقرآء فهو خير لكم) * أي لكم أنتم في حفظ ثوابها.
وقد جعل صلى الله عليه وسلم من السبعة الذين يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله (رجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه)، وكما قال تعالى: * (الذين
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»