وقد كان من الممكن أن يعرج به إلى السماء من جوف مكة، ومن المسجد الحرام، ولكن ليريه من آيات الله كعلامات الطريق لتكون دليلا له على قريش في إخباره بالإسراء والمعراج، وتقديم جبريل له الأقداح الثلاثة بالماء واللبن والخمر، واختياره اللبن رمزا للفطرة. واجتماع الأنبياء له والصلاة بهم في المسجد الأقصى، بينما رآهم في السماوات السبع، وكل ذلك من آيات الله أريها صلى الله عليه وسلم في المسجد الأقصى، والمسجد النبوي، ومسجد قباء، فمسجد قباء نزل فيه قوله تعالى: * (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) *.
فجاء في صحيح مسلم أن أبا سعيد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي مسجد أسس على التقوى من أول يوم؟ فأخذ صلى الله عليه وسلم حفنة من الحصباء وضرب بها أرض مسجده، وقال: (مسجدكم هذا).
وجاء في بلوغ المرام وغيره: حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أهل قباء فقال: (إن الله يثني عليكم) فقالوا إنا نتبع الحجارة الماء، رواه البزار بسند ضعيف.
قال في سبل السلام: وأصله في أبي داود والترمذي في السنن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نزلت هذه الآية في أهل قباء:) * (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) *.
قال ابن حجر: وصححه ابن خزيمة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بدون ذكر الحجارة.
وقال صاحب وفاء الوفاء: وروى ابن شيبة من طرق: ما حاصله أن الآية لما نزلت أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل قباء.
وفي رواية: أهل ذلك المسجد.
وفي رواية: بني عمرو بن عوف. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أحسن عليكم الثناء في الطهور، فما بلغ من طهوركم؟ قالوا: نستنجي بالماء).
قال: وروى أحمد وابن شيبة واللفظ لأحمد عن أبي هريرة قال: انطلقت إلى مسجد التقوى أنا وعبد الله بن عمر وسمرة بن جندب، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا لنا: انطلقوا إلى مسجد التقوى، فانطلقنا نحوه. فاستقبلنا يداه على كاهل أبي بكر وعمر فثرنا في وجهه فقال: من هؤلاء يا أبا بكر؟ قال: عبد الله بن عمر، وأبو هريرة وجندب.