فحديث مسلم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلك النصوص في مسجد قباء.
وقد قال ابن حجر رحمه الله: والحق أن كلا منهما أسس على التقوى، وقوله تعالى: * (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) * ظاهر في أهل قباء.
وقيل: إن حديث مسلم في خصوص مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، جاء ردا على اختلاف رجلين في المسجد المعنى بها، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يبين لهم أن الآية ليست خاصة بمسجد قباء، وإنما هي عامة في كل مسجد أسس على التقوى، وأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما هو معلوم في الأصول.
وعليه، فالآية إذا اشتملت وتشتمل على كل مسجد أينما كان، إذا كان أساسه من أول يوم بنائه على التقوى، ويشهد لذلك سياق الآية بالنسبة إلى ما قبلها وما بعدها، فقد جاءت قبلها قصة مسجد الضرار بقوله: * (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه) *.
ومعلوم أن مسجد الضرار كان بمنطقة قباء، وطلبوا من الرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي لهم فيه تبركا في ظاهر الأمر، وتقريرا لوجوده يتذرعون بذلك، ولكن الله كشف عن حقيقتهم.
وجاءت الآية بمقارنة بين المسجدين فقال تعالى له: * (لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا) *.
وجاء بعد ذلك مباشرة للمقارنة مرة أخرى أعم من الأولى في قوله تعالى: * (أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به فى نار جهنم والله لا يهدى القوم الظالمين لا يزال بنيانهم الذى بنوا ريبة فى قلوبهم) *.
وبهذا يكون السبب في نزول الآية هو المقارنة بين مبدأين متغايرين، وأن الأولية في الآية في قوله: * (من أول يوم) * أولية نسبية أي بالنسبة لكل مسجد في أول