أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ٢٥٣
إذا كان في مجيء الآية قبل هذه * (وإنك لعلى خلق عظيم) * على دعواهم الكاذبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنون.
ففي هذه الآية تنزيهه صلى الله عليه وسلم مما اشتملت عليه من رذائل ونقائص وافتضاح لهم. وبيان الفرق والبون الشاسع بينه وبينهم. ففي الوقت الذي وصفه بأنه على خلق عظيم وصفهم بعكس ذلك من كذب ومداهنة وكثرة حلف ومهانة وهمز ومشي بنميمة ومنع للخير وعتل وتجبر واعتداء، وظلم، وانقطاع زنيم، عشر خصال ذميمة. ونتيجتها الوسم بالخزي على الأنوف صغارا لهم.
وقد جاءت آيات القرآن تبين مساويء تلك الصفات وتحذر منها، ولا يسعنا إيرادها كلها وتكفي الإشارة إلى بعضها تنبيها على جميعها في قوله تعالى: * (ياأيها الذين ءامنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نسآء من نسآء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالا لقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فأولائك هم الظالمون ياأيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم) *. قوله تعالى: * (ودوا لو تدهن فيدهنون) *. ذكر القرطبي لمعاني المداهنة فوق عشرة أقوال أرجحها الملاينة، وقد ذكر هنا ودادتهم وتمنيهم المداهنة، ولم يذكر لنا هل داهنهم صلى الله عليه وسلم أم لا؟ وهل يريدون بذلك مصلحة أم لا؟
وقد جاء بيان ذلك مفصلا بأنهم أرادوا التدرج من المداهنة وملاينته صلى الله عليه وسلم معهم إلى ما بعدها من تعطيل الدعوة.
وقد رجح ابن جرير ذلك بقوله: ود هؤلاء المشركون يا محمد لو تلين لهم في دينك بإجابتك إياهم إلى الركون إلى آلهتهم فيلينون لك في عبادتك إلهك، كما قال جل ثناؤه: * (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا) * ا ه.
ويشهد لما قاله ابن جرير هذا ما جاء في سبب نزول سورة الكافرون.
(٢٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 ... » »»