أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ١٨٣
أن قبل النداء لا يلزم السعي ولا ترك البيع، وهذا ظاهر من النص، ولكن جاءت نصوص للحث على البكور إلى الجمعة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (من بكر وابتكر ومشى ولم يركب وصلى ما تيسر له). الحديث.
وحديث (من راح في الساعة الأولى) إلى آخر الحديث، فكان البكور مندوبا إليه، وهذا أمر مسلم به، ولكن وقع الخلاف بين مالك والجمهور في مبدأ البكور، ومعنى الساعة الأولى أي ساعة لغوية أو زمنية. وهل هي الأولى من النهار أو الأولى بعد الأذان، فقال مالك: إن الساعة لغوية، وهي الأولى بعد الأذان، إذ لا يجب السعي إلا بعده وقبله لا تكليف به.
وحمل الجمهور الساعة على الساعة الزمنية، وأن الأولى هي الأولى من النهار، والراجح ما ذهب إليه الجمهور لعدة أمور:
أولا: في لفظ حديث البكور، لأن لفظ البكور لا يكون إلا لأول النهار، ولا يقال لما بعد الزوال بكور، بل يسمى عشيا، كما في قوله تعالى: * (بكرة وعشيا) * وتكرار بكر، وابتكر، يدل على أنه في بكرة النهار وأوائله، وكذلك لفظة من راح، لأن الرواح لأول النهار.
ثانيا في الحديث: (وصلى ما تيسر). له دليل قاطع على أن هناك زمنا يتسع للصلاة بقدر ما تيسر له. أما على مذهب مالك فلا متسع لصلاة بعد النداء، ولا سيما في زمنه صلى الله عليه وسلم لم يكن إلا أذان واحد، وبعد النداء فلا متسع للصلاة.
ثالثا: ما جاء عن بعض السلف، كما تقدم أنه كان يصلي أربعا وثماني واثنتي عشرة ركعة، وهذا كله لا يكون مع الساعات اللغوية، وما جاء عند النيسابوري من قوله في تفسيره: وكانت الطرقات في أيام السلف وقت السحر وبعد الفجر غاصة بالمبكرين إلى الجمعة يمشون بالسرج. وقيل: أول بدعة أحدثت في الإسلام ترك البكور إلى الجمعة، والذي يقتضيه النظر في هذه المسألة: هو أن زمن السعي له جهتان. جهة وجوب وإلزام، وهذا لا شك أنه بعد النداء إلا من كان محله بعيدا. بحيث لو انتظر حتى ينادى لها لا يدركها فيتعين عليه السعي إليها قبل النداء اتفاقا، لأنه لا يتمكن من
(١٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»