أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ١٦٧
تنبيه من هذا كله يظهر أن السعي هو المضي مع مراعاة ما جاء في السنة من الحث على السكينة والوقار. لحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا).
وهذا أمر عام لكل آت إلى كل صلاة ولو كان الإمام في الصلاة لحديث أبي قتادة عند البخاري قال: (بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمع جلبة رجال فلما صلى قال: ما شأنكم؟ قالوا: استعجلنا إلى الصلاة، قال: فلا تفعلوا إذا أتيتم الصلاة فامشوا وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) ا ه.
وكذلك حديث أبي بكرة رضي الله عنه لما ركع خلف الصف ودب حتى دخل في الصف وهو راكع، فقال له صلى الله عليه وسلم: (زادك الله حرصا، ولا تعد) على رواية تعد من العود.
وهنا يأتي مبحث بم تدرك الجمعة؟
الأقوال في القدر الذي به تدرك الجمعة ثلاثة، وتعتبر طرفين وواسطة.
الطرف الأول: القول بأنها لا تدرك إلا بإدراك شيء من الخطبة، هذا ما حكاه ابن حزم عن مجاهد وعطاء وطاوس وعمر، ولم يذكر له دليلا.
والقول الآخر: تدرك ولو بالجلوس مع الإمام قبل أن يسلم، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله: ومذهب ابن حزم، بل عند أبي حنيفة رحمه الله: أنه لو أن الإمام سها وسجد، وفي سجود السهو أدركه المأموم لأدرك الجمعة بإدراكه سجود السهو مع الإمام، لأنه منها، ولكن خالف الإمام أبا حنيفة صاحبه محمد على ما سيأتي.
والقول الوسط هو قول الجمهور: أنها تدرك بإدراك ركعة كاملة مع الإمام، وذلك بإدراكه قبل أن يرفع رأسه من الركوع في الركعة الثانية، فحينئذ يصلي مع الإمام ركعة ثم يضيف إليها أخرى وتتم جمعته بركعتين، وإلا صلى ظهرا.
أما الراجح من ذلك فهو قول الجمهور للأدلة الآتية:
أولا: أن القول الأول لا دليل عليه أصلا، ويمكن أن يلتمس لقائله شبهة من قوله
(١٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 ... » »»