الفريضة العظمى، ثانية أركان الإسلام وعموده.
فإذا ما سمع الله أكبر الله أكبر مرتين، عظم الله في نفسه، واستحضر جلاله وقدسه واستصغر كل شيء بعد الله، فلا يشغله شيء عن ذكر الله، لأن الله أكبر من كل شيء، فلا يشغل نفسه عنه أي شيء.
فإذا سمع أشهد أن لا إلاه إلا الله، علم أن من حقه عليه طاعة الله وعبادته.
وإذا سمع: أشهد أن محمدا رسول الله، علم أنه يلزمه استجابة داعي الله.
وإذا سمع حي على الصلاة حي على الفلاح، علم أن فلاحه في صلاته في وقتها لا فيما يشغله عنها.
وهكذا فكان ممشاه إليها تخشعا، وخطاه إلى المسجد تطوعا مع حضور القلب واستجماع الشعور.
ومن هنا أيضا ندرك السر في طلب السامع محاكاة الأذان تبعا للمؤذن ليرتبط معه في إعلانه وعقيدته وشعوره، كما جاء في أثر عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قل مثل ما يقولون، فإذا انتهيت فاسأل تعطه). رواه أبو داود.
وقد قدمنا هذا الموضوع هنا، وإن كان ليس من منهج الكتاب، ولكن لموجب اقتضاء، ولمناسبة مبحث الأذان.
أما الموجب فهو أني سمعت منذ أيام أثناء الكتابة في مباحث الأذان، وسمعت من إذاعة لبلد عربي مسلم أن كاتبا استنكر الأذان في الصبح خاصة، وفي بقية الأوقات بواسطة المكبر للصوت، وقال إنه يرهق الأعصاب وخاصة عند أداء الناس لأعمالهم أو عند الفراغ منها والعودة لراحتهم، ولا سيما في الفجر عند نومهم، فكان وقعه أليما أن يصدر ذلك وينشر، ولكن أجاب عليه أحد خطباء الجمع في خطبة وافية، وأفهمه أن الإرهاق والاضطراب إنما هو من عدم الاستجابة لهذا النداء، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن الشيطان يبول في أذن النائم، وأنه يعقد عليه ثلاث عقد. فإذا ما استيقظ وذكر الله انحلت عقدة، وإذا توضأ انحلت عقدة أخرى، فإذا صلى انحلت العقدة الثالثة، وأصبح نشيطا إلى غير ذلك من الرد الكافي.