فقوله: ما كنت تدري ما الكتاب: أي ما كنت تعلم ما هو هذا الكتاب الذي هو القرآن العظيم، حتى علمتكه، وما كنت تدري ما الإيمان الذي هو تفاصيل هذا الدين الإسلامي، حتى علمتكه.
ومعلوم أن الحق الذي لا شك فيه الذي هو مذهب أهل السنة والجماعة أن الإيمان شامل للقول والعمل مع الاعتقاد.
وذلك ثابت في أحاديث صحيحة كثيرة، منها: حديث وفد عبد القيس المشهور، ومنها حديث: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا) الحديث، فسمى فيه قيام رمضان إيمانا، وحديث (الإيمان بضع وسبعون شعبة)، وفي بعض رواياته (بضع وستون شعبة أعلاها شهادة ألا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق).
والأحاديث بمثل ذلك كثيرة ويكفي في ذلك ما أورده البيهقي في شعب الإيمان فهو صلوات الله وسلامه عليه ما كان يعرف تفاصيل الصلوات المكتوبة وأوقاتها ولا صوم رمضان، وما يجوز فيه وما لا يجوز ولم يكن يعرف تفاصيل الزكاة ولا ما تجب فيه ولا قدر النصاب وقدر الواجب فيه ولا تفاصيل الحج ونحو ذلك، وهذا هو المراد بقوله تعالى: * (ولا الإيمان) *.
وما ذكره هنا من أنه لم يكن يعلم هذه الأمور حتى علمه إياها بأن أوحى إليه هذا النور العظيم الذي هو كتاب الله، جاء في غير هذا الموضع كقوله تعالى: * (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم) *. وقوله جل وعلا * (نحن نقص عليك أحسن القصص بمآ أوحينآ إليك هاذا القرءان وإن كنت من قبله لمن الغافلين) *.
فقوله في آية يوسف هذه: * (وإن كنت من قبله لمن الغافلين) * كقوله هنا * (ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الإيمان) * وقوله تعالى: * (ووجدك ضآلا فهدى) * على أصح التفسيرات كما قدمناه في سورة الشعراء في الكلام على قوله تعالى: * (قال فعلتهآ إذا وأنا من الضآلين) * إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: * (ولاكن جعلناه نورا نهدى به من نشآء) *، الضمير في قوله: جعلناه راجع إلى القرآن العظيم المذكور في قوله: * (روحا من أمرنا) *