أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٧ - الصفحة ٥٨
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: * (يذرؤكم فيه) * الظاهر أن ضمير الخطاب في قوله * (يذرؤكم) * شامل للآدميين والأنعام، وتغليب الآدميين على الأنعام في ضمير المخاطبين في قوله: يذرؤكم واضح لا إشكال فيه.
والتحقيق إن شاء الله أن الضمير في قوله: (فيه) راجع إلى ما ذكر من الذكور والإناث، من بني آدم والأنعام في قوله تعالى: * (جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الا نعام أزواجا) * سواء قلنا إن المعنى: أنه جعل للآدميين إناثا من أنفسهم أي من جنسهم، وجعل للأنعام أيضا إناثا كذلك، أو قلنا إن المراد بالأزواج الذكور والإناث منهما معا.
وإذا كان ذلك كذلك، فمعنى الآية الكريمة يذرؤكم أي يخلقكم ويبثكم وينشركم فيه، أي فيما ذكر من الذكور والإناث، أي في ضمنه، عن طريق التناسل كما هو معروف.
ويوضح ذلك في قوله تعالى: * (اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونسآء) * فقوله تعالى: * (وبث منهما رجالا كثيرا ونسآء) * يوضح معنى قوله: * (يذرؤكم فيه) *.
فإن قيل: ما وجه إفراد الضمير المجرور في قوله يذرؤكم فيه، مع أنه على ما ذكرتم، عائد إلى الذكور والإناث من الآدميين والأنعام؟
فالجواب: أن من أساليب اللغة العربية التي نزل بها القرآن، رجوع الضمير أو الإشارة بصيغة الإفراد إلى مثنى أو مجموع باعتبار ما ذكر مثلا.
ومثاله في الضمير: * (قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إلاه غير الله يأتيكم به) *، فالضمير في قوله: به مفرد مع أنه راجع إلى السمع والأبصار والقلوب.
فقوله: * (يأتيكم به) * أي بما ذكر من سمعكم وأبصاركم وقلوبكم، ومن هذا المعنى قول رؤبة بن العجاج: فقوله: * (يأتيكم به) * أي بما ذكر من سمعكم وأبصاركم وقلوبكم، ومن هذا المعنى قول رؤبة بن العجاج:
* فيها خطوط من سواد وبلق * كأن في الجلد توليع البهق * فقوله: كأنه أي ما ذكر من خطوط من سواد وبلق.
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»