أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٧ - الصفحة ٣٣٥
وأما استدلالهم على تقليدهم بأن الصحابة كانوا يفتون ورسول الله صلى الله عليه وسلم موجود بين أظهرهم، وأن ذلك تقليد لهم فهو ظاهر السقوط أيضا.
لأنهم ما كانوا يفتونهم في حالة وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم إلا بما علمهم من الكتاب والسنة كما لا يخفى.
ومن أفتى منهم وغلط في فتواه أنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم فتواه التي ليست مطابقة للحق، وردها عليه كإنكاره على أبي السنابل بن بعكك قوله لسبيعة الأسلمية لما مات زوجها ووضعت حملها بعد ذلك بأيام:
(إنها لا تنقضي عدتها إلا بعد أربعة أشهر وعشر ليال).
وقد استدل أبو السنابل على ما أفتى به بعموم قوله تعالى: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) *.
وقد رد عليه النبي صلى الله عليه وسلم فتواه مبينا أن عموم قوله تعالى: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا) *، مخصص بقوله تعالى: * (وأولات الا حمال أجلهن أن يضعن حملهن) *.
وكإنكاره صلى الله عليه وسلم على الذين أفتوا صاحب الشجة بأنهم لم يجدوا له رخصة وهو يقدر على الماء.
وقد قدمنا قصته، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيهم: (قتلوه قتلهم الله) الحديث.
والظاهر أنهم استندوا في فتواهم لما فهموه من قوله تعالى * (فلم تجدوا مآء فتيمموا صعيدا طيبا) * وغفلوا عن قوله: * (وإن كنتم مرضى) *، وأمثال هذا كثيرة.
وأما استدلالهم على التقليد بقوله تعالى * (فلولا نفر من كل فرقة منهم طآئفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) * قائلين إن الآية أوجبت قبول إنذارهم، وأن ذلك تقليد لهم، فهو ظاهر السقوط أيضا.
لأن الإنذار في قوله * (ولينذروا قومهم) * لا يكون برأي.
وإنما يكون بالوحي خاصة، وقد حصر تعالى الإنذار في الوحي بأداة الحصر التي هي إنما في قوله * (قل إنمآ أنذركم بالوحى) *.
وبه تعلم أن الإنذار لا يقوم إلا بالحجة فمن لم تقم عليه الحجة، لم يكن قد أنذر، كما
(٣٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 ... » »»