أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٧ - الصفحة ١٨٦
وما ذكره جل وعلا في آية الجاثية هذه، ذكره في آيات أخر بلفظه كقوله تعالى في البقرة: * (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولاكن الله ذو فضل على العالمين تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين) * وقوله تعالى في آل عمران: * (وأما الذين ابيضت وجوههم ففى رحمة الله هم فيها خالدون تلك ءايات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين) * وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة * (تلك) * بمعنى هذه.
ومن أساليب اللغة العربية إطلاق الإشارة إلى البعيد على الإشارة إلى القريب كقوله: * (ذالك الكتاب) * بمعنى هذا الكتاب. كما حكاه البخاري عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، ومن شواهده قول خفاف بن ندبة السلمي: ذالك الكتاب) * بمعنى هذا الكتاب. كما حكاه البخاري عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، ومن شواهده قول خفاف بن ندبة السلمي:
* فإن تك خيلي قد أصيب صميمها * فعمدا على عيني تيممت مالكا * * أقول له والرمح يأطر متنه * تأمل خفافا إنني أنا ذالكا * يعني أنا هذا.
وقد أوضحنا هذا المبحث وذكرنا أوجهه في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب، عن آيات الكتاب) في أول سورة البقرة وقوله تعالى: * (نتلوها) * أي نقرؤها عليك.
وأسند جل وعلا تلاوتها إلى نفسه لأنها كلامه الذي أنزله على رسوله بواسطة الملك، وأمر الملك أن يتلوه عليه مبلغا عنه جل وعلا.
ونظير ذلك قوله تعالى: * (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرءانه فإذا قرأناه فاتبع قرءانه ثم إن علينا بيانه) *.
فقوله: فإذا قرأناه أي قرأه عليك الملك المرسل به، من قبلنا مبلغا عنا، وسمعته منه، فاتبع قرآنه أي فاتبع قراءته واقرأه كما سمعته يقرؤه.
وقد أشار تعالى إلى ذلك في قوله: * (ولا تعجل بالقرءان من قبل إن يقضى إليك وحيه) *.
وسماعه صلى الله عليه وسلم القرآن من الملك المبلغ عن الله كلام الله وفهمه له هو معنى تنزيله إياه
(١٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»