أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٦ - الصفحة ٨٠
بها، وهم في أكبابهم عليها سامعون بآذان واعية مبصرون بعيون راعية، انتهى محل الغرض منه.
ولا يخفى أن لهذه الآية الكريمة دلالتين: دلالة بالمنطوق، ودلالة بالمفهوم، فقد دلت بمنطوقها على أن من صفات عباد الرحمان، أنهم إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها، لم يكبوا عليها في حال كونهم صما عن سماع ما فيها من الحق، وعميانا عن إبصاره، بل هم يكبون عليها سامعين ما فيها من الحق مبصرين له.
وهذا المعنى دلت عليه آيات أخر من كتاب الله؛ كقوله تعالى: * (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله) *، ومعلوم أن من تليت عليه آيات هذا القرءان، فزادته إيمانا أنه لم يخر عليها أصم أعمى؛ وكقوله تعالى: * (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هاذه إيمانا فأما الذين ءامنوا فزادتهم إيمانا وهم) *، وقوله تعالى: * (مبين الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر) *، إلى غير ذلك من الآيات.
وقد دلت الآية المذكورة أيضا بمفهومها أن الكفرة المخالفين، لعباد الرحمان الموصوفين في هذه الآيات: إذا ذكروا بآيات ربهم خروا عليها صما وعميانا، أي: لا يسمعون ما فيها من الحق، ولا يبصرونه، حتى كأنهم لم يسمعوها أصلا.
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة بمفهومها، جاء موضحا في آيات أخر من كتاب الله؛ كقوله تعالى في سورة (لقمان): * (وإذا تتلى عليه ءاياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن فى أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم) *، وقوله تعالى في (الجاثية): * (ويل لكل أفاك أثيم * يسمع ءايات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم * وإذا علم من ءاياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين) *، وقوله تعالى: * (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هاذه إيمانا فأما الذين ءامنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما) *، إلى غير ذلك من الآيات.
والظاهر: أن معنى خرور الكفار على الآيات، في حال كونهم صما وعميانا، هو إكبابهم على إنكارها والتكذيب بها، خلافا لما ذكره الزمخشري في (الكشاف)، والصم في
(٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 ... » »»