* (كان) *، واسمها مقدر فيها، أي: كان الإنفاق بين الإسراف والقتر قواما، ثم قال: قاله الفراء، وباقي أوجه الإعراب في الآية ليس بوجيه عندي؛ كقول من قال: إن لفظة * (بين) * هي اسم * (كان) *، وأنها لم ترفع لبنائها بسبب إضافتها إلى مبني، وقول من قال: إن * (بين) * هي خبر * (كان) *، و * (قواما) * حال مؤكدة له، ومن قال إنهما خبران كل ذلك ليس بوجيه عندي، والأظهر الأول. والظاهر أن التوسط في الإنفاق الذي مدحهم به شامل لإنفاقهم على أهليهم، وإنفاقهم المال في أوجه الخير.
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة، جاء موضحا في غير هذا الموضع؛ فمن ذلك أن الله أوصى نبيه صلى الله عليه وسلم بالعمل بمقتضاه في قوله تعالى: * (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط) *، فقوله: * (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) *، أي: ممسكة عن الإنفاق إمساكا كليا، يؤدي معنى قوله هنا: * (ولم يقتروا) *. وقوله: * (ولا تبسطها كل البسط) *، يؤدي معنى قوله هنا: * (لم يسرفوا) *، وأشار تعالى إلى هذا المعنى في قوله: * (وءات ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا) *، وقوله تعالى: * (يسئلونك عن ينفقون قل العفو) *، على أصح التفسيرين.
وقد أوضحنا الآيات الدالة على هذا المعنى في أول سورة (البقرة)، في الكلام على قوله تعالى: * (ومما رزقناهم ينفقون) *.
مسألة هذه الآية الكريمة التي هي قوله تعالى: * (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا) *، والآيات التي ذكرناها معها، قد بينت أحد ركني ما يسمى الآن بالاقتصاد.
وإيضاح ذلك أنه لا خلاف بين العقلاء أن جميع مسائل الاقتصاد على كثرتها واختلاف أنواعها راجعة بالتقسيم الأول إلى أصلين، لا ثالث لهما.
الأول منهما: اكتساب المال.
والثاني منهما: صرفه في مصارفه، وبه تعلم أن الاقتصاد عمل مزدوج، ولا فائدة في واحد من الأصلين المذكورين إلا بوجود الآخر، فلو كان الإنسان أحسن الناس نظرا في