من ظن بالله الحكيم الخبير، أنه يساوي بين الصالح المصلح، والمفسد الفاجر، فقد ظن ظنا قبيحا جديرا بالإنكار.
وقد بين جل وعلا هذا المعنى، في غير هذا الموضع، وذم حكم من يحكم به، وذلك في قوله تعالى الجاثية: * (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين ءامنوا وعملوا الصالحات سوآء محياهم ومماتهم سآء ما يحكمون) *. قوله تعالى: * (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا ءاياته وليتذكر أولو الا لباب) *. قوله تعالى: كتاب خبر مبتدأ محذوف أي هذا كتاب، وقد ذكر جل وعلا، في هذه الآية الكريمة، أنه أنزل هذا الكتاب، معظما نفسه جل وعلا، بصيغة الجمع، وأنه كتاب مبارك وأن من حكم إنزاله، أن يتدبر الناس آياته، أي يتفهموها ويتعقلوها ويمعنوا النظر فيها، حتى يفهموا ما فيها من أنواع الهدى، وأن يتذكر أولوا الألباب، أي يتعظ أصحاب العقول السليمة، من شوائب الاختلال.
وكل ما ذكره في هذه الآية الكريمة جاء واضحا في آيات أخر.
أما كونه جل وعلا، هو الذي أنزل هذا القرآن، فقد ذكره في آيات كثيرة كقوله تعالى: * (إنا أنزلناه فى ليلة القدر) * وقوله تعالى: * (إنآ أنزلناه فى ليلة مباركة) * وقوله تعالى: * (هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) *، والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة.
وأما كون هذا الكتاب مباركا، فقد ذكره في آيات من كتابه كقوله تعالى: * (وهاذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذى بين يديه) *. وقوله تعالى: * (وهاذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون) *. والمبارك كثير البركات، من خير الدنيا والآخرة.
ونرجو الله القريب المجيب، إذ وفقنا لخدمة هذا الكتاب المبارك، أن يجعلنا مباركين أينما كنا، وأن يبارك لنا وعلينا، وأن يشملنا ببركاته العظيمة في الدنيا والآخرة، وأن يعم جميع إخواننا المسلمين، الذين يأتمرون بأوامره بالبركات والخيرات، في الدنيا والآخرة، إنه قريب مجيب.