أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٦ - الصفحة ٣٣٩
وأن أصل القط كتاب الجائزة لأن الملك يكتب فيه النصيب الذي يعطيه لذلك الإنسان، وجمعه قطوط، ومنه قول الأعشى:
* ولا الملك النعمان حين لقيته * بغبطته يعطي القطوط ويأفق * وقوله: ويأفق أي يفضل بعضهم على بعض في العطاء المكتوب في القطوط. قوله تعالى: * (إنا سخرنا الجبال معه) * إلى قوله * (أواب) *. وقد قدمنا الآيات الموضحة له، في سورة الأنبياء، في الكلام على قوله تعالى: * (وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن والطير) *. قوله تعالى: * (وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب فغفرنا له ذالك) *. قد قدمنا الكلام على مثل هذه الآية، من الآيات القرآنية التي يفهم منها صدور بعض الشيء، من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وبينا كلام أهل الأصول في ذلك في سورة طه، في الكلام على قوله تعالى: * (وعصىءادم ربه فغوى) *.
واعلم أن ما يذكره كثير من المفسرين في تفسير هذه الآية الكريمة، مما لا يليق بمنصب داود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، كله راجع إلى الإسرائيليات، فلا ثقة به، ولا معول عليه، وما جاء منه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا يصح منه شيء. قوله تعالى: * (ياداوود إنا جعلناك خليفة فى الا رض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) *. قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: * (إنا جعلناك خليفة فى الا رض) *، قد بينا الحكم الذي دل عليه، في سورة البقرة، في الكلام على قوله تعالى: * (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل فى الأرض خليفة) *. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة * (فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) * قد أمر نبيه داود فيه، بالحكم بين الناس بالحق ونهاه فيه عن اتباع الهوى، وأن اتباع الهوى، علة للضلال عن سبيل الله، لأن الفاء في قوله فيضلك عن سبيل الله تدل على العلية.
وقد تقرر في الأصول، في مسلك الإيماء والتنبيه، أن الفاء من حروف التعليل كقوله: سهى فسجد، وسرق فقطعت يده، أو لعلة السهو في الأول، ولعلة السرقة في الثاني، وأتبع ذلك بالتهديد لمن اتبع الهوى، فأضله ربنا عن سبيل الله، في قوله تعالى بعده يليه: * (إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) *.
(٣٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 334 335 336 337 338 339 340 341 342 343 344 ... » »»