وقولهم * (هاذا ساحر كذاب) * إنما ذكره تعالى إنكارا عليهم وتكذيبا لهم. فعرف بذلك أن في ضمن المعنى والقرآن ذي الذكر إنك مرسل حقا ولو عجبوا من مجيئك منذرا لهم، وزعموا أنك ساحر كذاب، أي فهم الذين عجبوا من الحق الذي لا شك فيه، وزعموا أن خاتم الرسل، وأكرمهم على الله، ساحر كذاب.
وأما كون الإلاه المعبود واحدا لا شريك له، ففي قوله هنا: * (أجعل الا لهة إلاها واحدا إن هاذا لشىء عجاب) *، لأن الهمزة في قوله: أجعل للإنكار المشتمل على معنى النفي، فهي تدل على نفي سبب تعجبهم من قوله صلى الله عليه وسلم: إن الإلاه المعبود واحد.
وهذان الأمران قد دلت آيات أخر من القرآن العظيم، على أن الله أقسم على تكذيبهم فيها وإثباتها بالقسم صريحا كقوله تعالى مقسما على أن الرسول مرسل حقا * (يس * والقرءان الحكيم * إنك لمن المرسلين) * فهي توضح معنى ص والقرآن ذي الذكر إنك لمن المرسلين.
وقد جاء تأكيد صحة تلك الرسالة في آيات كثيرة كقوله تعالى * (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين) *، وأما كونه تعالى هو المعبود الحق لا شريك له، فقد أقسم تعالى عليه في غير هذا الموضع، كقوله تعالى * (والصافات صفا * فالزاجرات زجرا * فالتاليات ذكرا * إن إلاهكم لواحد) * ونحو ذلك من الآيات فدل ذلك على أن المعنى تضمن ما ذكر أي والقرآن ذي الذكر، إن إلاهكم لواحد كما أشار إليه بقوله * (أجعل الا لهة) *.
وأما كون البعث حقا، فقد أقسم عليه إقساما صحيحا صريحا، في آيات من كتاب الله، كقوله تعالى: * (قل بلى وربى لتبعثن) *. وقوله تعالى: * (قل بلى وربى لتأتينكم) * أي الساعة. وقوله: * (قل إى وربى إنه لحق) *.
وأقسم على اثنين من الثلاثة المذكورة وحذف المقسم عليه الذي هو الاثنان المذكوران، وهي كون الرسول مرسلا، والبعث حقا، وأشار إلى ذلك إشارة واضحة، وذلك في قوله تعالى * (ق والقرءان المجيد * بل عجبوا أن جآءهم منذر منهم فقال الكافرون هاذا شىء عجيب * أءذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد) *