قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: قد رأيت أقوال أهل العلم في قدر ما يعطى المسكين من إطعام كفارة الظهار واختلافها، وأدلتهم واختلافها.
وأحوط أقوالهم في ذلك قول أبي حنيفة ومن وافقه؛ لأنه أحوطها في الخروج من عهدة الكفارة، والعلم عند الله تعالى.
الفرع الخامس عشر: في كيفية الإطعام وجنس الطعام ومستحقه. أما مستحقه، فقد نص الله تعالى على أنه المسكين في قوله: * (فإطعام ستين مسكينا) *، والمقرر عند أهل العلم أن المسكين إن ذكر وحده شمل الفقير، كعكسه.
وأما كيفيته: فظاهر النصوص أنه يملك كل مسكين قدر ما يجب له من الطعام، وهو مذهب مالك، والشافعي. والرواية المشهورة عن أحمد، وعلى هذا القول لو غدى المساكين، وعشاهم بالقدر الواجب في الكفارة، لم يجزئه حتى يملكهم إياه.
وأظهر القولين عندي: أنه إن غدى كل مسكين وعشاه، ولم يكن ذلك الغداء والعشاء أقل من القدر الواجب له، أنه يجزئه؛ لأنه داخل في معنى قوله: * (فإطعام ستين مسكينا) *، وهذا مروي عن أبي حنيفة، والنخعي، وهو رواية عن أحمد، وقصة إطعام أنس لما كبر، وعجز عن الصوم عن فدية الصيام مشهورة. وأما جنس الطعام الذي يدفعه للمساكين، فقد تقدم في الأحاديث ذكر البر والتمر والشعير، ولا ينبغي أن يختلف في هذه الثلاثة.
ومعلوم أن أهل العلم اختلفوا في طعام كفارة الظهار، فقال بعضهم: المجزىء في ذلك هو ما بجزىء في صدقة الفطر، سواء كان هو قوت المكفر أو لا؟ ولا يجزئه غير ذلك، ولو كان قوتا له.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أظهر أقوال أهل العلم عندي: أن جميع الحبوب التي هي قوت بلد المظاهر يجزئه الإخراج منها، لأنها هي طعام بلده، فيصدق على من أطعم منها المساكين، أنه أطعم ستين مسكينا، فيدخل ذلك في قوله تعالى: * (فإطعام ستين مسكينا) *، ويؤيد ذلك أن القرءان أشار إلى اعتبار أوسط قوت أهله في كفارة اليمين، في قوله تعالى: * (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم) *، وهذا مذهب الشافعي، واختيار أبي الخطاب من الحنابلة.