أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٦ - الصفحة ١٦٧
أوجه الإعراب في قوله: * (يعلمون ظاهرا) *، أنه بدل من قوله قبله * (لا يعلمون) *، فهذا العلم كلا علم لحقارته.
قال الزمخشري في (الكشاف): وقوله: * (يعلمون) * بدل من قوله: * (لا يعلمون) *، وفي هذا الإبدال من النكتة أنه أبدله منه وجعله بحيث يقوم مقامه، ويسد مسده ليعلمك أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل، وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز الدنيا.
وقوله: * (ظاهرا من الحيواة الدنيا) * يفيد أن للدنيا ظاهرا وباطنا فظاهرها ما يعرفه الجهال من التمتع بزخارفها، والتنعم بملاذها، وباطنها وحقيتها أنها مجاز إلى الآخرة، يتزود منها إليها بالطاعة والأعمال الصالحة، وفي تنكير الظاهر أنهم لا يعلمون إلا ظاهرا واحدا من ظواهرها. و * (هم) * الثانية يجوز أن يكون مبتدأ، و * (غافلون) * خبره، والجملة خبر * (هم) * الأولى، وأن يكون تكريرا للأولى، و * (غافلون) * خبر الأولى، وأية كانت فذكرها مناد على أنهم معدن الغفلة عن الآخرة، ومقرها، ومحلها وأنها منهم تنبع وإليهم ترجع، انتهى كلام صاحب (الكشاف).
وقال غيره: وفي تنكير قوله: * (ظاهرا) * تقليل لمعلومهم، وتقليله يقربه من النفي، حتى يطابق المبدل منه، اه، ووجهه ظاهر.
واعلم أن المسلمين يجب عليهم تعلم هذه العلوم الدنيوية، كما أوضحنا ذلك غاية الإيضاع في سورة (مريم)، في الكلام على قوله تعالى: * (أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمان عهدا) *، وهذه العلوم الدنيوية التي بينا حقارتها بالنسبة إلى ما غفل عنه أصحابها الكفار، إذا تعلمها المسلمون، وكان كل من تعليمها واستعمالها مطابقا لما أمر الله به على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، كانت من أشرف العلوم وأنفعها؛ لأنها يستعان بها على إعلاء كلمة الله ومرضاته جل وعلا، وإصلاح الدنيا والآخرة، فلا عيب فيها إذن؛ كما قال تعالى: * (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) *، فالعمل في إعداد المستطاع من القوة امتثالا لأمر الله تعالى وسعيا في مرضاته، وإعلاء كلمته ليس من جنس علم الكفار الغافلين عن الآخرة كما ترى، والآيات بمثل ذلك كثيرة، والعلم عند الله تعالى.
* (أولم يتفكروا فى أنفسهم ما خلق الله السماوات والا رض وما بينهمآ إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقآء ربهم لكافرون * أولم يسيروا فى الا رض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الا رض وعمروهآ أكثر مما عمروها وجآءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولاكن كانوا أنفسهم يظلمون * ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى أن كذبوا بأايات الله وكانوا بها يستهزئون * الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون * ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون * ولم يكن لهم من شركآئهم شفعاء وكانوا بشركآئهم كافرين * ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون * فأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فهم فى روضة يحبرون * وأما الذين كفروا وكذبوا بأاياتنا ولقآء الاخرة فأولائك فى العذاب محضرون * فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون * وله الحمد فى السماوات والا رض وعشيا وحين تظهرون * يخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى ويحى الا رض بعد موتها وكذلك تخرجون) * * (أولم يتفكروا فى أنفسهم ما خلق الله السماوات والا رض وما بينهمآ إلا بالحق وأجل
(١٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 ... » »»