أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٦ - الصفحة ١٥
: واعلم: أن العرب تستعمل جاء وأتى بمعنى: فعل، فقوله: * (فقد جاءوا ظلما) *، أي: فعلوه، وقيل: بتقدير الباء، أي: جاءوا بظلم، ومن إتيان أتى بمعنى فعل قوله تعالى: * (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا) *، أي: بما فعلوه. وقول زهير بن أبي سلمى:
* فما يك من خير أتوه فإنما * توارثه آباء آبائهم قبل * واعلم بأن الإفك هو أسوأ الكذب، لأنه قلب للكلام عن الحق إلى الباطل، والعرب تقول: أفكه بمعنى قلبه، ومنه قوله تعالى في قوم لوط: * (والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات) *، وقوله: * (والمؤتفكة أهوى) *، وإنما قيل لها مؤتفكات؛ لأن الملك أفكها، أي: قلبها؛ كما أوضحه تعالى بقوله: * (جعلنا عاليها سافلها) *. * (وقالوا أساطير الا ولين اكتتبها فهى تملى عليه بكرة وأصيلا * قل أنزله الذى يعلم السر فى السماوات والا رض إنه كان غفورا رحيما) *. ذكر جل وعلا في الأولى من هاتين الآيتين أن الكفار، قالوا: إن هذا القرءان * (أساطير الاولين) *، أي: مما كتبه، وسطره الأولون كأحاديث رستم واسفنديار، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جمعه، وأخذه من تلك الأساطير، وأنه اكتتب تلك الأساطير، قال الزمخشري: أي كتبها لنفسه وأخذها، كما تقول: استكب الماء واصطبه إذا سكبه وصبه لنفسه وأخذه، وقوله: * (فهى تملى عليه) *، أي: تلقى إليه، وتقرأ عليه عند إرادته كتابتها ليكتبها، والإملاء إلقاء الكلام على الكاتب ليكتبه، والهمزة مبدلة من اللام تخفيفا، والأصل في الإملاء الإملال باللام، ومنه قوله تعالى: * (فليكتب وليملل الذى عليه الحق) *.
وقوله: * (بكرة وأصيلا) *، البكرة: أول النهار، والأصيل: آخره.
وما ذكره جل وعلا في هذه الآية من أن الكفار، قالوا: إن القرءان أساطير الأولين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم تعلمه من غيره، وكتبه جاء موضحا في آيات متعددة؛ كقوله تعالى: * (وإذا تتلى عليهم ءاياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هاذا إن هاذا إلا أساطير الاولين) *.
وقد ذكرنا آنفا الآيات الدالة على أنهم افتروا عليه أنه تعلم القرءان من غيره، وأوضحنا تعنتهم، وكذبهم في ذلك في سورة (النحل)، ودلالة الآيات على ذلك في الكلام على قوله تعالى: * (لسان الذى يلحدون إليه أعجمى) *، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»