أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٦ - الصفحة ٤
الفراء: هو في العربية بمعنى: تقدس وهما للعظمة، وقال الزجاج: * (تبارك) *: تفاعل من البركة. قال: ومعنى البركة: الكثرة من كل ذي خير، وقيل: * (تبارك) *: تعالى، وقيل: تعالى عطاؤه، أي: زاد وكثر. وقيل المعنى: دام وثبت إنعامه. قال النحاس: وهذا أولاها في اللغة والاشتقاق من برك الشئ إذا ثبت ومنه برك الجمل والطير على الماء، أي: دام وثبت، انتهى محل الغرض من كلام القرطبي.
وقال أبو حيان في (البحر المحيط): قال ابن عباس: * (تبارك) *: لم يزل، ولا يزول. وقال الخليل: تمجد. وقال الضحاك: تعظم. وحكى الأصمعي: تباركت عليكم من قول عربي صعد رابية، فقال ذلك لأصحابه، أي: تعاليت وارتفعت. ففي هذه الأقوال تكون صفة ذات. وقال ابن عباس أيضا، والحسن، والنخعي: هو من البركة، وهو التزايد في الخير من قبله. فالمعنى زاد خيره وعطاؤه وكثر، وعلى هذا يكون صفة فعل، انتهى محل الغرض من كلام أبي حيان.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الأظهر في معنى * (تبارك) * بحسب اللغة التي نزل بها القرءان أنه تفاعل من البركة، كما جزم به ابن جرير الطبري، وعليه فمعنى * (تبارك) *: تكاثرت البركات والخيرات من قبله، وذلك يستلزم عظمته وتقدسه عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله؛ لأن من تأتي من قبله البركات والخيرات ويدر الأرزاق على الناس هو وحده المتفرد بالعظمة، واستحقاق إخلاص العبادة له، والذي لا تأتي من قبله بركة ولا خير، ولا رزق كالأصنام، وسائر المعبودات من دون الله لا يصح أن يعبد، وعبادته كفر مخلد في نار جهنم، وقد أشار تعالى إلى هذا في قوله: * (إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون) *، وقوله تعالى: * (ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والارض شيئا ولا يستطيعون) *، وقوله تعالى: * (وهو يطعم ولا يطعم) *، وقوله تعالى: * (ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) *، وقوله تعالى: * (هو الذى يريكم ءاياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب * فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون) *.
تنبيه اعلم أن قوله: * (تبارك) * فعل جامد لا يتصرف، فلا يأتي منه مضارع، ولا مصدر،
(٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»