حكاه ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، والحسن البصري، وعطية العوفي، والله أعلم. انتهى كلام ابن كثير.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: هذا الوجه الأخير يأباه ظاهر القرءان؛ لأن قوله تعالى: * (كدعاء بعضكم بعضا) * يدل على خلافه، ولو أراد دعاء بعضهم على بعض، لقال: لا تجعلوا دعاء الرسول عليكم كدعاء بعضكم على بعض، فدعاء بعضهم بعضا، ودعاء بعضهم على بعض متغايران، كما لا يخفى. والظاهر أن قوله: * (لا تجعلوا) * من جعل التي بمعنى اعتقد، كما ذكرنا عن ابن كثير آنفا. * (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) *. الضمير في قوله: * (عن أمره) * راجع إلى الرسول، أو إلى الله والمعنى واحد؛ لأن الأمر من الله، والرسول مبلغ عنه، والعرب تقول: خالف أمره وخالف عن أمره: وقال بعضهم: * (يخالفون) *: مضمن معنى يصدون، أي: يصدون عن أمره.
وهذه الآية الكريمة قد استدل بها الأصوليون على أن الأمر المجرد عن القرائن يقتضي الوجوب؛ لأنه جل وعلا توعد المخالفين عن أمره بالفتنة أو العذاب الأليم، وحذرهم من مخالفة الأمر. وكل ذلك يقتضي أن الأمر للوجوب، ما لم يصرف عنه صارف، لأن غير الواجب لا يستوجب تركه الوعيد الشديد والتحذير.
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة من اقتضاء الأمر المطلق الوجوب، دلت عليه آيات أخر من كتاب الله؛ كقوله تعالى: * (وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون) *، فإن قوله: * (اركعوا) * أمر مطلق، وذمه تعالى للذين لم يمتثلوه بقوله: * (لا يركعون) * يدل على أن امتثاله واجب. وكقوله تعالى لإبليس: * (ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك) *، فإنكاره تعالى على إبليس موبخا له بقوله: * (ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك) * يدل على أنه تارك واجبا. وأن امتثال الأمر واجب مع أن الأمر المذكور مطلق، وهو قوله تعالى: * (اسجدوا لادم) *، وكقوله تعالى عن موسى: * (أفعصيت أمرى) *، فسمى مخالفة الأمر معصية، وأمره المذكور مطلق، وهو قوله: * (اخلفنى فى قومى وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) *، وكقوله تعالى: * (لا