أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٥٥٢
* (كل) *، أي: كل من المصلين قد علم صلاة نفسه، وكل من المسبحين قد علم تسبيح نفسه، وعلى هذا القول فقوله تعالى: * (والله عليم بما يفعلون) *، تأسيس لا تأكيد، أما على القول بأن الضمير راجع إلى * (الله) *، أي: قد علم الله صلاته يكون قوله: * (والله عليم بما يفعلون) * كالتكرار مع ذلك، فيكون من قبيل التوكيد اللفظي.
وقد علمت أن المقرر في الأصول أن الحمل على التأسيس أرجح من الحمل على التوكيد؛ كما تقدم إيضاحه. والظاهر أن الطير تسبح وتصلي صلاة وتسبيحا يعلمهما الله، ونحن لا نعلمهما؛ كما قال تعالى: * (وإن من شىء إلا يسبح بحمده ولاكن لا تفقهون تسبيحهم) *.
ومن الآيات الدالة على أن غير العقلاء من المخلوقات لها إدراك يعلمه الله ونحن لا نعلمه، قوله تعالى في الحجارة: * (وإن منها لما يهبط من خشية الله) *، فأثبت خشيته للحجارة، والخشية تكون بإدراك. وقوله تعالى: * (لو أنزلنا هاذا القرءان على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله) *، وقوله تعالى: * (إنا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها) *، والإباء والإشفاق إنما يكونان بإدراك، والآيات والأحاديث واردة بذلك، وهو الحق. وظاهر الآية أن للطير صلاة وتسبيحا، ولا مانع من الحمل على الظاهر، ونقل القرطبي عن سفيان: أن للطير صلاة ليس فيها ركوع ولا سجود، اه.
ومعلوم أن الصلاة في اللغة الدعاء، ومنه قول الأعشى: ومعلوم أن الصلاة في اللغة الدعاء، ومنه قول الأعشى:
* تقول بنتي وقد غربت مرتحلا * يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا * * عليك مثل الذي صليت فاغتبطي * نوما فإن لجنب المرء مضجعا * فقوله: مثل الذي صليت، أي: دعوت، يعني قولها: يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا.
وقوله: * (صافات) *، أي: صافات أجنحتها في الهواء. وقد بين تعالى في غير هذا الموضع أن إمساكه الطير صافات أجنحتها في الهواء وقابضات لها من آيات قدرته، واستحقاقه العبادة وحده، وذلك في قوله تعالى: * (أو لم يروا إلى الطير صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمان) *، وقوله تعالى: * (ألم يروا إلى الطير مسخرات
(٥٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 547 548 549 550 551 552 553 554 555 556 557 ... » »»