أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٥٥٠
الكريمة من بطلان أعمال الكفار، جاء موضحا في آيات أخر؛ كقوله تعالى: * (مثل * الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شىء) *، وقوله تعالى: * (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) *، إلى غير ذلك من الآيات.
وقد قدمنا أن عمل الكافر إذا كان على الوجه الصحيح أنه يجزى به في الدنيا؛ كما أوضحناه في سورة (النحل)، في الكلام على قوله تعالى: * (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن) *.
وقد دلت آيات من كتاب الله على انتفاع الكافر بعمله في الدنيا، دون الآخرة؛ كقوله تعالى: * (من كان يريد حرث الاخرة نزد له فى حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له فى) *، وقوله تعالى: * (من كان يريد الحيواة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم فى الاخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون) *، وهذا الذي دلت عليه هذه الآيات من انتفاع الكافر بعمله الصالح في الدنيا، دون الآخرة ثبت في صحيح مسلم وغيبره من حديث أنس رضي الله عنه؛ كما أوضحناه في الكلام على آية (النحل) المذكورة، وهو أحد التفسيرين في قوله تعالى: * (ووجد الله عنده فوفاه حسابه) *، أي: وفاه حسابه في الدنيا على هذا القول، وقد بين الله جل وعلا في سورة (بني إسرائيل) أن ما دلت عليه الآيات من انتفاع الكافر بعمله الصالح في الدنيا، أنه مقيد بمشيئة الله تعالى، وذلك في قوله تعالى: * (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا) *.
تنبيه في هذه الآية الكريمة سؤال معروف ذكرناه وذكرنا الجواب عنه في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب)، وذلك في قولنا فيه: لا يخفى ما يسبق إلى الذهن من أن الضمير في قوله: * (جاءه) *، يدل على شئ موجود واقع عليه المجيء؛ لأن وقوع المجيء على العدم لا يعقل، ومعلوم أن الصفة الإضافية لا تتقوم إلا بين متضائفين، فلا تدرك إلا بإدراكهما، فلا يعقل وقوع المجيء بالفعل، إلا بإدراك فاعل واقع منه المجيء، ومفعول به
(٥٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 545 546 547 548 549 550 551 552 553 554 555 ... » »»