أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٥٣٩
يبكيه فقال: يبكيه ضارع لخصومة الخ. وقراءة ابن عامر، وشعبة هنا كقراءة ابن كثير: كذلك يوحى إليك بفتح الحاء مبنيا للمفعول فقوله: الله فاعل يوحى المذحوفة، ووصفه تعالى لهؤلاء الرجال الذين يسبحون له بالغدو والآصال، بكونهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة على سبيل مدحهم، والثناء عليهم. يدل على أن تلك الصفات لا ينبغي التساهل فيها بحال، لأن ثناء الله على المتصف بها يدل على أن من أجل بها يستحق الذم الذي هو ضد الثناء، ويوضح ذلك أن الله نهى عن الإخلال بها نهيا جازما في قوله تعالى: * (ياأيها الذين ءامنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولائك هم الخاسرون) * وقوله تعالى: * (ياأيها الذين ءامنوا إذا نودى للصلواة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) * الآية إلى غير ذلك من الآيات. مسائل تتعلق بهذه الآية الكريمة المسألة الأولى: اعلم أنه على قراءة ابن عامر، وشعبة: يسبح بفتح الباء يحسن الوقف على قوله: بالآصال، وأما على قراءة الجمهور يسبح بالكسر، فلا ينبغي الوقف على قوله: بالآصال، لأن فاعل يسبح رجال، والوقف دون الفاعل لا ينبغي كما لا يخفى.
المسألة الثانية: اعلم أن الضمير المؤنث في قوله: * (يسبح له فيها) * راجع إلى المساجد المعبر عنها بالبيوت في قوله: * (فى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه) * والتحقيق: أن البيوت المذكورة، هي المساجد.
وإذا علمت ذلك فاعلم أن تخصيصه من يسبح له فيها بالرجال في قوله * (يسبح له فيها بالغدو والاصال رجال) * يدل بمفهومه على أن النساء يسبحن له في بيوتهن لا في المساجد، وقد يظهر للناظر أن مفهوم قوله: رجال مفهوم لقب، والتحقيق عند الأصوليين أنه لا يحتج به.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: لا شك أن مفهوم لفظ الرجال، مفهوم لقب بالنظر إلى مجرد لفظه، وأن مفهوم اللقب ليس بحجة على التحقيق، كما أوضحناه في غير هذا الموضع. ولكن مفهوم الرجال هنا معتبر، وليس مفهوم لقب على التحقيق، وذلك لأن
(٥٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 534 535 536 537 538 539 540 541 542 543 544 ... » »»