أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٥٤٢
لأنه لو كان واجبا لانتفى معنى الاستئذان، لأن ذلك إنما يتحقق إذا كان المستأذن مخيرا في الإجابة أو الرد.
وقال النووي في شرح المذهب: فإن منعها لم يحرم عليه هذا مذهبنا، قال البيهقي: وبه قال عامة العلماء. ويجاب عن حديث (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) بأنه نهى تنزيه، لأن حق الزوج في ملازمة المسكن واجب، فلا تتركه لفضيلة ا ه.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي في هذه المسألة: أن الزوج إذا استأذنته امرأته في الخروج إلى المسجد، وكانت غير متطيبة، ولا متلبسة بشيء يستوجب الفتنة مما سيأتي إيضاحه إن شاء الله، أنه يجب عليه الإذن لها، ويحرم عليه منعها للنهي الصريح منه صلى الله عليه وسلم عن منعها من ذلك، وللأمر الصريح بالإذن لها وصيغة الأمر المجردة عن القرائن تقتضي الوجوب، كما أوضحناه في مواضع من هذا الكتاب المبارك، وصيغة النهي كذلك تقتضي التحريم، وقد قال تعالى: * (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) * وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه) إلى غير ذلك من الأدلة، كما قدمنا. وقول ابن حجر: إن الإذن لا يتحقق إلا إذا كان المستأذن مخيرا في الإجابة، والرد غير مسلم، إذ لا مانع عقلا، ولا شرعا ولا عادة من أن يوجب الله عليه الإذن لامرأته في الخروج إلى المسجد من غير تخيير، فإيجاب الإذن لا مانع منه. وكذلك تحريم المنع، وقد دل النص الصحيح على إيجابه فلا وجه لم لرده بأمر محتمل كما ترى. وقول النووي: لأن حق الزوج في ملازمة المسكن واجب، فلا تتركه للفضيلة لا يصلح، لأن يرد به النص الصريح منه صلى الله عليه وسلم، فأمره صلى الله عليه وسلم الزوج بالإذن لها يلزمه ذلك، ويوجبه عليه، فلا يعارض بما ذكره النووي كما ترى. وما ذكره النووي عن البيهقي: من أن عدم الوجوب قال به عامة العلماء غير مسلم أيضا، فقد ثبت في صحيح مسلم وغيره عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنه لما حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث الذي ذكرنا عنه في أمر الأزواج بالإذن للنساء في الخروج إلى المساجد، وقال ابنه: لا ندعهن يخرجن، غضب وشتمه ودفع في صدره منكرا عليه، مخالفته لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك دليل واضح على اعتقاده وجوب امتثال ذلك الأمر بالإذن لهن.
قال مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه: حدثني حرملة بن يحيى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال: أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن
(٥٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 537 538 539 540 541 542 543 544 545 546 547 ... » »»