أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٥٤٤
الأعمش فعل الله بك وفعل، ومثله للترمذي من رواية عيسى بن يونس. ولمسلم من رواية أبي معاوية: فزبره. ولأبي داود من رواية جرير: فسبه وغضب عليه، إلى أن قال: وأخذ من إنكار عبد الله على ولده تأديب العترض على السنن برأيه، وهو اعتراف منه أيضا بأن من خالف الحديث المذكور معترض على السنن برأيه.
وبه تعلم أن ما قدمنا عنه من كون الأمر بالإذن لهن إلى المساجد ليس للوجوب اعتراض على السنن بالرأي كما ترى.
وبما ذكرنا تعلم أن الدليل قد دل من السنة الصحيحة على وجوب الإذن للنساء في الخروج إلى المساجد كما ذكرنا، ويؤيده أن ابن عمر لم ينكر عليه أحد من الصحابة تشنيعه على ولديه كما أوضحناه آنفا. والعلم عند الله تعالى.
وإذا علمت أن ما ذكرنا من النصوص الصريحة في الأمر بالإذن لهن يقتضى جواز خروجهن إلى المساجد، فاعلم أنه ثبت في الصحيح أنهن كن يخرجن إلى المسجد، فيصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم. قال البخاري رحمه الله في صحيحه: حدثنا يحيى بن بكير قال: أخبرنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير: أن عائشة رضي الله عنها أخبرته قالت: كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر منلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس ا ه. وهذا الحديث أخرجه أيضا مسلم وغيره. وقد جاءت أحاديث صحيحة في الصحيحين وغيرهما دالة على ما دل عليه حديث عائشة هذا المتفق عليه من كون النساء كن يشهدن الصلاة في المسجد معه صلى الله عليه وسلم. تنبيه قد علمنا مما ذكرنا في روايات حديث ابن عمر المتفق عليه: أن في بعض رواياته المتفق عليها تقييد أمر الرجال بالإذن للنساء في الخروج إلى المسجد بالليل، وفي بعضها الإطلاق وعدم التقييد بالليل، وهو أكثر الروايات كما أشار له ابن حجر في الفتح.
وقد يتبادر للناظر أن الأزواج ليسوا مأمورين بالإذن للنساء إلا في خصوص الليل، لأنه أستر، ويترجح عنده هذا بما هو مقرر في الأصول من حمل المطلق على المقيد، فتحمل روايات الإطلاق على التقييد بالليل، فيختص الإذن المذكور بالليل.
(٥٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 539 540 541 542 543 544 545 546 547 548 549 ... » »»