أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٥٢٢
ملتبسا به، ويندم على ما صدر منه من مخالفة أمر ربه جل وعلا، وينوي نية جازمة ألا يعود إلى معصية الله أبدا.
وأظهر أقوال أهل العلم أنه إن تاب توبة نصوحا وكفر الله عنه سيئاته بتلك التوبة النصوح، ثم عاد إلى الذنب بعد ذلك أن توبته الأولى الواقعة على الوجه المطلوب، لا يبطلها الرجوع إلى الذنب، بل تجب عليه التوبة من جديد لذنبه الجديد، خلافا لمن قال: إن عوده للذنب نقض لتوبته الأولى.
الثاني: اعلم أنه لا خلاف بين أهل العلم في أنه لا تصح توبة من ذنب إلا بالندم على فعل الذنب، والإقلاع عنه، إن كان ملتبسا به كما قدمنا أنهما من أركان التوبة، وكل واحد منهما فيه إشكال معروف، وإيضاحه في الأول الذي هو الندم، أن الندم ليس فعلا، وإنما هو انفعال، ولا خلاف بين أهل العلم في أن الله لا يكلف أحدا إلا بفعل يقع باختيار المكلف، ولا يكلف أحدا بشئ إلا شيئا هو في طاقته؛ كما قال تعالى: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) *، وقال تعالى: * (فاتقوا الله ما استطعتم) *.
وإذا علمت ذلك، فاعلم أن الندم انفعال ليس داخلا تحت قدرة العبد، فليس بفعل أصلا، وليس في وسع المكلف فعله، والتكليف لا يقع بغير الفعل، ولا بما لا يطاق، كما بينا. قال في (مراقي السعود): وإذا علمت ذلك، فاعلم أن الندم انفعال ليس داخلا تحت قدرة العبد، فليس بفعل أصلا، وليس في وسع المكلف فعله، والتكليف لا يقع بغير الفعل، ولا بما لا يطاق، كما بينا. قال في (مراقي السعود):
* ولا يكلف بغير الفعل * باعث الأنبيا ورب الفضل * وقال أيضا: وقال أيضا:
* والعلم والوسع على المعروف * شرط يعم كل ذي تكليف * واعلم أن كلام الأصوليين في مسألة التكليف بما لا يطاق، واختلافهم في ذلك إنما هو بالنسبة إلى الجوار العقلي، والمعنى هل يجيزه العقل أو يمنعه.
أما وقوعه بالفعل فهو مجمعون على منعه؛ كما دلت عليه آيات القرءان والأحاديث النبوية، وبعض الأصوليين يعبر عن هذه المسألة بالتكليف بالمحال هل يجوز عقلا، أو لا؟ أما وقوع التكليف بالمحال عقلا، أو عادة، فكلهم مجمعون على منعه إن كانت الاستحالة لغير علم الله تعالى بعدم وقوعه أزلا، ومثال المستحيل عقلا أن يكلف بالجمع بين الضدين كالبياض والسواد، أو النقيضين كالعدم والوجود. والمستحيل عادة كتكليف المقعد
(٥٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 517 518 519 520 521 522 523 524 525 526 527 ... » »»