أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٥٢٥
لا يصح وقوعه بالفعل. وحجة من يمنعه عقلا أنه عبث لا فائدة فيه؛ لأن المكلف به لا يمكن أن يقدر عليه بحال، فتكليفه بما هو عاجز عنه محققا عبث لا فائدة فيه، قالوا فهو مستحيل؛ لأن الله حكيم خبير. وحجة من قال بجوازه أن فائدته امتحان المكلف، هل يتأسف على عدم القدرة، ويظهر أنه لو كان قادرا لا مثل، والامتحان سبب من أسباب التكليف، كما كلف الله إبراهيم بذبح ولده، وهو عالم أنه لا يذبحه، وبين أن حكمة هذا التكليف هي ابتلاء إبراهيم، أي: اختباره، هل يمتثل؟ فلما شرع في الامتثال فداه الله بذبح عظيم؛ كما قال تعالى عنه: * (فلما أسلما وتله للجبين * وناديناه أن ياإبراهيم إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين * إن هاذا لهو البلاء المبين * وفديناه بذبح عظيم) *.
وقد أشار صاحب (مراقي السعود) إلى مسألة التكليف بالمحال وأقوال الأصوليين فيها، وهي اختلافهم في جواز ذلك عقلا، مع إجماعهم على منعه إن كانت الاستحالة لغير علم الله، بعدم الوقوع كالاستحالة الذاتية، بقوله: وقد أشار صاحب (مراقي السعود) إلى مسألة التكليف بالمحال وأقوال الأصوليين فيها، وهي اختلافهم في جواز ذلك عقلا، مع إجماعهم على منعه إن كانت الاستحالة لغير علم الله، بعدم الوقوع كالاستحالة الذاتية، بقوله:
* وجوز التكليف بالمحال * في الكل من ثلاثة الأحوال * * وقيل بالمنع لما قد امتنع * لغير علم الله أن ليس يقع * * وليس واقعا إذا استحالا * لغير علم ربنا تعالى * وقوله: وجوز التكليف، يعني: الجواز العقلي.
وقوله: وقيل بالمنع، أي: عقلا ومراده بالثلاثة الأحوال: ما استحال عقلا وعادة، كالجمع بين النقيضين، وما استحال عادة كمشي المقعد، وطيران الإنسان، وإبصار الأعمى، وما استحال لعلم الله بعدم وقوعه.
وإذا عرفت كلام أهل الأصول في هذه المسألة، فاعلم أن التوبة تجب كتابا وسنة وإجماعا من كل ذنب اقترفه الإنسان فورا، وأن الندم ركن من أركانها، وركن الواجب واجب، والندم ليس بفعل، وليس استطاعة المكلف؛ لأنه انفعال لا فعل والانفعالات ليست بالاختيار، فما وجه التكليف بالندم، وهو غير فعل للمكلف، ولا مقدور عليه.
والجواب عن هذا الإشكال: هو أن المراد بالتكليف بالندم التكليف بأسبابه التي يوجد بها، وهي في طوق المكلف، فلو راجع صاحب المعصية نفسه مراجعة صحيحة،
(٥٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 520 521 522 523 524 525 526 527 528 529 530 ... » »»