أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٥٢٣
بالمشي وتكليف الإنسان بالطيران ونحو ذلك، فمثل هذا لا يقع التكليف به إجماعا.
وأما المستحيل لأجل علم الله في الأزل بأنه لا يقع، فهو جائز عقلا ولا خلاف في التكليف به فإيمان أبي لهب مثلا كان الله عالما في الأزل بأنه لا يقع؛ كما قال الله تعالى عنه: * (سيصلى نارا ذات لهب) *، فوقوعه محال عقلا لعلم الله في الأزل، بأنه لا يوجد؛ لأنه لو وجد لاستحال العلم بعدمه جهلا، وذلك مستحيل في حقه تعالى. ولكن هذا المستحيل للعلم بعدم وقوعه جائز عقلا، إذ لا يمنع العقل إيمان أبي لهب، ولو كان مستحيلا لما كلفه الله بالإيمان، على لسانه نبيه صلى الله عليه وسلم، فالإمكان عام، والدعوة عامة، والتوفيق خاص.
وإيضاح مسألة الحكم العقلي أنه عند جمهور النظار، ثلاثة أقسام:
الأول: الواجب عقلا.
الثاني: المستحيل عقلا.
الثالث: الجائز عقلا، وبرهان الحصر الحكم العقلي في الثلاثة المذكورة، أن الشئ من حيث هو شئ، لا يخلو من واحدة من ثلاث حالات: إما أن يكون العقل يقبل وجوده، ولا يقبل عدمه بحال. وإما أن يكون يقبل عدمه ولا يقبل وجوده بحال. وإما أن يكون يقبل وجوده وعدمه معا، فإن كان العقل يقبل وجوده دون عدمه، فهو الواجب عقلا، وذلك كوجود الله تعالى متصفا بصفات الكمال والجلال. فإن العقل السليم لو عرض عليه وجود خالق هذه المخلوقات لقبله، ولو عرض عليه عدمه وأنها خلقت بلا خالق، لم يقبله، فهو واجب عقلا. وأما إن كان يقبل عدمه، دون وجوده، فهو المستحيل عقلا؛ كشريك الله سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، فلو عرض على العقل السليم عدم شريك لله في ملكه، وعبادته لقبله، ولو عرض عليه وجوده لم يقبله بحال؛ كما قال تعالى: * (لو كان فيهما الهة إلا الله لفسدتا) *، وقال: * (إذا لذهب كل إلاه بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون) *، فهو مستحيل عقلا. وأما إن كان العقل يقبل وجوده وعدمه معا، فهو الجائز العقلي، ويقال له الجائز الذاتي، وذلك كإيمان أبي لهب، فإنه لو عرض وجوده على العقل السليم لقبله، ولو عرض عليه عدمه بدل وجوده لقبله أيضا، كما لا يخفى، فهو جائز عقلا جوازا ذاتيا، ولا خلاف في التكليف بهذا النوع الذي هو الجائز العقلي الذاتي.
(٥٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 518 519 520 521 522 523 524 525 526 527 528 ... » »»