وهذا الحديث الصحيح فيه التصريح منه صلى الله عليه وسلم أنهم يحل لهم أن يفقأوا عينه، وكون ذلك حلالا لهم مستلزم أنهم ليس عليهم فيه شئ من إثم، ولا دية، ولا قصاص؛ لأن كل ما أحله الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم لا مؤاخذة على فعله البتة بنوع من أنواع المؤاخذة، كما لا يخفى.
وقال مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى في (صحيحه) متصلا بكلامه هذا الذي نقلنا عنه: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (لو أن رجلا اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه، ما كان عليك من جناح)، اه منه.
وقد بينا وجه دلالته على أنه لا شئ في عين المذكور، وثبوت هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رأيت يدل على أنه لما تعدى وانتهك الحرمة، ونظر إلى بيت غيره دون استئذان، أن الله أذن على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في أخذ عينه الخائنة، وأنها هدر لا عقل فيها، ولا قود، ولا إثم، ويزيد ما ذكرنا توكيدا وإيضاحا ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم منه أنه هم أن يفعل ذلك.
قال البخاري رحمه الله في صحيحه تحت الترجمة المذكور آنفا، وهي قوله: باب من اطلع في بيت قوم ففقأوا عينه فلا دية له: حدثنا أبو اليمان، حدثنا حماد بن زيد، عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس، عن أنس رضي الله عنه: أن رجلا اطلع في بعض جحر النبي صلى الله عليه وسلم، فقام إليه بمشقص أو مشاقص، وجعل يختله ليطعنه.
حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث، عن ابن شهاب، أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن رجلا اطلع في جحر في باب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم مدري يحك به رأسه، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو أعلم أنك تنتظرني لطعنت به في عينيك)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإذن من قبل البصر)، اه منه. وقد ذكر البخاري هذه الأحاديث التي ذكرناها عنه هنا في كتاب الديات.
وقد قال في كتاب الاستئذان: باب الاستئذان من أجل البصر: