قال نعم، قلت إنها في حجري؟ قال: أتحب أن تراها عريانة؟ وأسانيد هذه الآثار كلها صحيحة. انتهى من فتح الباري.
وهذه الآثار عن هؤلاء الصحابة تؤيد ما ذكرنا من الاستئذان على من ذكرنا، ويفهم من الحديث الصحيح: (إنما جعل الاستئذان من أجل البصر)، فوقوع البصر على عورات من ذكر لا يحل، كما ترى. وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره للآية التي نحن بصددها: وقال هشيم: أخبرنا أشعث بن سوار، عن كردوس، عن ابن مسعود، قال: عليكم أن تستأذنوا على أمهاتكم وأخواتكم، وقال أشعث، عن عدي بن ثابت: أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إني أكون في منزلي على الحال التي لا أحب أن يراني أحد عليها لا والد ولا ولد، وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهل بيتي، وأنا على تلك الحال، فنزلت: * (كريم يأيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوتا) *، وقال ابن جريج: سمعت عطاء بن أبي رباح يخبر عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ثلاث أيات جحدهن الناس، قال الله تعالى: * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) *، قال ويقولون: إن أكرمكم عند الله أعظمكم بيتا، إلى أن قال: والأدب كله قد جحده الناس، قال: قلت: أستأذن على أخواتي أيتام في حجري معي في بيت واحد؟ قال: نعم، فرددت عليه ليرخص لي فأبى، فقال: تحب أن تراها عريانة؟ قلت: لا، قال: فاستأذن، قال: فراجعته، فقال: أتحب أن تطيع الله؟ قال: قلت: نعم، قال: فاستأذن، قال ابن جريج: وأخبرني ابن طاوس عن أبيه، قال: ما من امرأة أكره إلي أن أرى عورتها من ذات محرم، قال: وكان يشدد في ذلك، وقال ابن جريج عن الزهري: سمعت هزيل بن شرحبيل الأودي الأعمى أنه سمع ابن مسعود يقول: عليكم الإذن على أمهاتكم، اه محل الغرض منه، وهو يدل على ما ذكرنا من الاستئذان على من ذكرنا، والعلم عند الله تعالى.
المسألة الخامسة: اعلم أنه إن لم يكن مع الرجل في بيته إلا امرأته أن الأظهر أنه لا يستأذن عليها، وذلك يفهم من ظاهر قوله تعالى: * (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم) *، ولأنه لا حشمة بين الرجل وامرأته، ويجوز بينهما من الأحوال والملابسات ما لا يجوز لأحد غيرهما، ولو كان أبا أو أما أو ابنا، كما لا يخفى. ويدل له الأثر الذي ذكرناه آنفا عن موسى بن طلحة: أنه دخل مع أبيه طلحة على أمه فزجره طلحة عن أن يدخل على أمه بغير إذن، مع أن طلحة زوجها دخل بغير إذن.