أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٤٩٩
التنبيه الثالث: قال بعض أهل العلم: إن المستأذن ينبغي له ألا يقف تلقاء الباء بوجهه ولكنه يقف جاعلا الباب عن يمينه أو يساره، ويستأذن وهو كذلك، قال ابن كثير: ثم ليعلم أنه ينبغي للمستأذن على أهل المنزل ألا يقف تلقاء الباب بوجهه، ولكن ليكن الباب عن يمينه، أو يساره لما رواه أبو داود: حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني في آخرين قالوا: حدثنا بقية بن الوليد، حدثنا محمد بن عبد الرحمان عن عبد الله بن بشر قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ويقول السلام عليكم: السلام عليكم) وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور، انفرد به أبو داود. وقال أبو داود أيضا: حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير، ح، وثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا حفص عن الأعمش عن طلحة عن هزيل قال: جاء رجل قال عثمان: سعد، فوقف على باب النبي صلى الله عليه وسلم، يستأذن فقام على الباب، قال عثمان: مستقبل الباب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (هكذا عنك أو هكذا فإنما الاستئذان من النظر) ورواه أبو داود الطيالسي عن سفيان الثوري، عن الأعمش عن طلحة بن مصرف عن رجل عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود، من حديث انتهى من ابن كثير، والحديثان اللذان ذكرهما عن أبي داود نقلناهما من سنن أبي داود لأن نسخة ابن كثير التي عندنا فيها تحريف فيهما.
وفيما ذكرنا دلالة على ما ذكرنا من أن المستأذن لا يقف مستقبل الباب خوفا أو يفتح له الباب، فيرى من أهل المنزل ما لا يحبون أن يراه، بخلاف ما لو كان الباب عن يمينه أو يساره فإنه وقت فتح الباب لا يرى ما في داخل البيت. والعلم عند الله تعالى.
المسألة الثالثة: اعلم أن المستأذن إذا قال له رب المنزل: من أنت، فلا تجوز له أن يقول له: أنا بل يفصح باسمه وكنيته إن كان مشهورا به، لأن لفظه: أنا يعبر بها كل أحد عن نفسه فلا تحصل بها معرفة المستأذن، وقد ثبت معنى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ثبوتا لا مطعن فيه.
قال البخاري رحمه الله في صحيحه: حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك، حدثنا شعبة، عن محمد بن المنكدر، قال: سمعت جابرا رضي الله عنه يقول: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي، فدققت الباب فقال من ذا؟ فقلت: أنا. فقال: أنا أنا، كأنه كرهها) انتهى منه، وتكريره صلى الله عليه وسلم لفظه: أنا دليل على أنه لم يرضها من جابر، لأنها لا يعرف بها المستأذن فهي جواب له صلى الله عليه وسلم، بما لا يطابق سؤاله، وظاهر الحديث أن جواب
(٤٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 494 495 496 497 498 499 500 501 502 503 504 ... » »»