أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٤٢٦
وأكثر أهل العلم على إباحة تزويج الزانية والمانعون لذلك أقل، وقد عرفت أدلة الجميع.
فروع تتعلق بهذه المسألة الفرع الأول: اعلم أن من نزوج امرأة يظنها عفيفة، ثم زنت وهي في عصمته أن أظهر القولين: أن نكاح لا يفسخ، ولا يحرم عليه الدوام على نكاحها، وقد قال بهذا بعض من منع نكاح الزانية مفرقا بين الدوام على نكاحها، وبين ابتدائه. واستدل من قال هذا بحديث عمرو بن الأحوص الجشمي رضي الله عنه، أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، وأثنى عليه وذكر ووعظ، ثم قال: (استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عندكم عوان ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا).
قال الشوكاني في حديث عمرو بن الأحوص هذا: أخرجه ابن ماجة والترمذي وصححه، وقال ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة عمرو بن الأحوص المذكور: وحديثه في الخطبة صحيح، اه. وحديثه في الخطبة هو هذا الحديث، بدليل قوله: فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ، وهذا التذكير والوعظ هو الخطبة؛ كما هو معروف.
ومن الأدلة على هذا الحديث المتقدم قريبا، الذي فيه: أن الرجل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن امرأتي لا ترد يد لامس، فقال: (طلقها)، فقال: نفسي تتبعها، فقال: (أمسكها)، وبينا الكلام في سنده، وأنه في الدوام على النكاح، لا في ابتداء النكاح، وأن بينهما فرقا، وبه تعلم أن قول من قال: إن من زنت زوجته، فسخ نكاحها وحرمت عليه خلاف التحقيق، والعلم عند الله تعالى.
الفرع الثاني: اعلم أن أظهر قولي أهل العلم عندي، أنه لا يجوز نكاح المرأة الحامل من الزنا قبل وضع حملها بل لا يجوز نكاحها، حتى تضع حملها. خلافا لجماعة من أهل العلم، قالوا: يجوز نكاحها وهي حامل، وهو مروي عن الشافعي وغيره، وهو مذهب أبي حنيفة؛ لأن نكاح الرجل امرأة حاملا من غيره فيه سقي الزرع بماء الغير، وهو لا يجوز ويدل لذلك قوله تعالى: * (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) *، ولا يخرج من عموم هذه الآية إلا ما أخرجه دليل يجب الرجوع إليه، فلا يجوز نكاح حامل
(٤٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 421 422 423 424 425 426 427 428 429 430 431 ... » »»