أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٤٣
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: لا يلزم الحنفية احتجاج الشافعية المذكور علهيم لأنهم يقولون: نعم نحن لا نعتبر مفهوم المخالفة، ولكن نرى أن قوله * (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه) * ليس فيه تعرض لحكم الحالق لغير عذر، لا بنفي الفدية المذكورة، ولا بإثباتها وقد ظهر لنا من دليل آخر خارج عن الآية: أنه يلزمه دم ا ه. ولا خلاف بين أهل العلم: أن صيام الفدية له أن يصومه حيث شاء، والأظهر عندي في النسك، والصدقة أيضا أن له أن يفعلهما حيث شاء، لأن فدية الأذى أشبه بالكفارة منها بالهدي، ولأن الله لم يذكر للفدية محلا معينا، ولم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم وسماها نسكا ولم يسمها هديا، والظاهر أنه لا مانع من أن ينوي بالنسك المذكور الهدي، فيجري على حكم الهدي، فلا يصح في غير الحرم، إلا أنه لا يجوز له الأكل منه، لأنه في حكم الكفارة، كما قاله علماء المالكية، وعند الحنفية، ومن وافقهم يختص النسك المذكور بالحرم. والعلم عند الله تعالى. أما إذا كان الذي حلقه بعض شعر رأسه لا جميعه، أو كان شعر جسده، أو بعضه لا شعر الرأس، فليس في ذلك نص صريح من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، لأن الله جل وعلا إنما ذكر في آية الفدية: حلق الرأس، وظاهرها حلق جميعه لا بعضه، والعلماء مختلفون في ذلك ولم يظهر لنا في مستندات أقوالهم. ما فيه مقنع، يجب الرجوع إليه والعلم عند الله تعالى.
فذهب مالك رحمه الله وأصحابه إلى أن ضابط ما تلزم به فدية: الأذى من الحلق هو حصول أحد أمرين:
أحدهما: أن يحصل له بذلك ترفه.
والثاني: أن يزيل عنه به أذى. أما حلق القليل من شعر رأسه، أو غيره مما لا يحصل به ترفه، ولا إماطة أذى، فيلزم فيه التصدق بحفنة: وهي يد واحدة، وكذلك عندهم الظفر الواحد لا لإماطة أذى، وقتل القملة أو القملات.
وقال ابن القاسم في المدونة: ما سمعت بحد فيما دون إماطة الأذى أكثر من حفنة من شيء من الأشياء، وقد قال في قملة أو قملات حفنة من طعام، والحفنة بيد واحدة. انتهى بواسطة نقل المواق في شرحه لقول خليل في مختصره، وفي الظفر الواحد، لا لإماطة الأذى حفنة ا ه.
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»