الصحيحة الدالة، على أن النسك المذكور: شاة، وذلك بأن اللازم هو الشاة، والتطوع بالبقرة تطوع بأكثر من اللازم. ولا مانع من التطوع بأكثر مما يلزم، والعلم عند الله تعالى.
وهذا الذي ذكرنا حكمه: هو حلق الرأس لعذر كمرض، أو أذى في الرأس ككثرة القمل فيه، كما هو موضوع آية الفدية، والأحاديث التي ذكرنا.
أما إن حلق رأسه قبل وقت الحلق لغير عذر من مرض، أو أذى من رأسه، فقد اختلف أهل العلم فيما يلزمه، فذهب مالك والشافعي وهو ظاهر مذهب أحمد: إلى أن الفدية في العمد بلا عذر، حكمها حكم الفدية لعذر المرض، أو الأذى في الرأس، ولا فرق بين المعذور وغيره، إلا في الإثم، فإن المعذور تلزمه الفدية، ولا إثم عليه ومن لا عذر له تلزمه الفدية المذكورة مع الإثم، وهو مروي عن الثوري.
وعن الحنابلة وجه: أنه لا فدية على من حلق ناسيا إحرامه، وهو قول إسحاق، وابن المنذر، واحتجوا بالأدلة الدالة على العذر بالنسيان.
وذهب أبو حنيفة: إلى الفرق بين من حلق لعذر ومن حلق لغير عذر، فإن حلقه لعذر، فعليه الفدية المذكورة في الآية على سبيل التخيير، وفاقا للجمهور، وإن كان حلقه لغير عذر تعين عليه الدم دون الصيام والصدقة، ولا أعلم لأقوالهم رحمهم الله في هذه المسألة نصا واضحا يجب الرجوع إليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع.
أما الذين قالوا: إن فدية غير المعذور كفدية المعذور. فاحتجوا، بأن الحلق إتلاف، فاستوى عمده وخطأه كقتل الصيد. قالوا: ولأن الله تعالى أوجب الفدية على من حلق رأسه لأذى به وهو معذور، فكان ذلك تنبيها على وجوبها على غير المعذور ا ه. ولا يخفى أن هذا النوع من الاستدلال وأمثاله ليس فيه مقنع.
وأما الذين فرقوا بين المعذور وغيره، وهم الحنفية فاستدلوا بظاهر قوله تعالى: * (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) * قالوا: فرتب الفدية المذكورة على العذر، فدل ذلك على أن من ليس له عذر، لا يكون له هذا الحكم المرتب على العذر خاصة.
واحتج بعض أجلاء علماء الشافعية على استدلال الحنفية بالآية المذكورة بأنه قول بدليل الخطاب: يعني مفهوم المخالفة، والمقرر في أصول الحنفية: عدم الاحتجاج بدليل الخطاب.