وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم ءاياتنا) * وهذا الذي ذكرنا أن العذاب عذاب يوم القيامة، أظهر عندنا من قول من قال: إنه يوم بدر أو الجوع، ومن قال من زعم: أن الذين يجأرون: هم الذين لم يقتلوا يوم بدر وأن جؤارهم من قبل إخوانهم، فكل ذلك خلاف الظاهر، وإن قاله من قاله:
قوله تعالى: * (أفلم يدبروا القول) *. يتضمن حضهم، على تدبر هذا القول الذي هو القرآن العظيم، لأنهم إن تديروه تدبرا صادقا، علموا أنه حق، وأن اتباعه واجب وتصديق من جاء به لازم. وقد أشار لهذا المعنى في غير هذا الموضع كقوله تعالى: * (أفلا يتدبرون القرءان ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * وقوله: * (أفلا يتدبرون القرءان أم على قلوب أقفالهآ) * وقوله في هذه الآية الكريمة * (أم جآءهم ما لم يأت ءابآءهم الا ولين) * قال القرطبي: فأنكروه، وأعرضوا عنه، وقيل: أم بمعنى: بل جاءهم مالا عهد لآبائهم به، فلذلك أنكروه، وتركوا التدبر له وقال ابن عباس: وقيل المعنى: أم جاءهم أمان من العذاب، وهو شيء لم يأت آباءهم الأولين، قال أبو حيان في تفسير هذه الآية: قرعهم أولا بترك الانتفاع بالقرآن، ثم ثانيا بأن ما جاءهم جاء آباءهم الأولين: أي إرسال الرسل ليس بدعا، ولا مستغربا، بل أرسلت الرسل للأمم قبلهم، وعرفوا ذلك بالتواتر ونجاة من آمن، واستئصال من كذب وآباؤهم إسماعيل وأعقابه إلى آخر كلامه. وهذا الوجه من التفسير له وجه من النظر وعليه فالآية كقوله: * (قل ما كنت بدعا من الرسل) * ونحوها من الآيات.
قوله تعالى: * (أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون) *. قد قدمنا الآيات الموضحة لهذه الآية في سورة يونس، في الكلام على قوله تعالى: * (فقد لبثت فيكم عمرا من قبله) * فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
قوله تعالى: * (أم يقولون به جنة بل جآءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون) *. أم المذكورة في هذه الآية هي المعروفة عند النحويين بأم المنقطعة. وضابطها ألا تتقدم عليها همزة تسوية نحو * (سوآء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم) * أو همزة مغنية، عن لفظة: أي كقولك أزيد عندك أم عمرو؟ أي أيهما عندك فالمسبوقة