أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٣٣٨
: ربنآ أخرجنا نعمل صالحا غير الذى كنا نعمل) * فهذا الصراخ المذكور في هذه الآية العام للمترفين وغيرهم، هو الجؤار المذكور عن المترفين هنا، ومن إطلاق العرب الجؤار على الصراخ والدعاء للاستغاثة قول الأعشى:
* يراوح من صلوات المليك * فطورا سجودا وطورا جؤارا * والجؤار المذكور: هو النداء في قوله * (كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص) * لأن نداءهم نداء استغاثة واستصراخ وكقوله تعالى: * (ونادوا يامالك ليقض علينا ربك) *، لأن القضاء عليهم من أعظم الأمور التي يطلبونها، فيستغيثون بالموت من دوام ذلك العذاب الشديد، أجارنا الله وإخواننا المسلمين منه وكقوله تعالى: * (وإذآ ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا * لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا) * وذلك الدعاء بالثبور الذي هو أعظم الهلاك، والويل عن أنواع جؤارهم والعياذ بالله. وقوله تعالى في هذه الآية * (لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون) * يدل على أنهم إن استغاثوا لم يغاثوا، وإن استرحموا لم يرحموا، وقد أشار تعالى إلى ذلك في قوله: * (وإن يستغيثوا يغاثوا بمآء كالمهل يشوى الوجوه بئس الشراب وسآءت مرتفقا) *.
* (قد كانت ءايتى تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون * مستكبرين به سامرا تهجرون * أفلم يدبروا القول أم جآءهم ما لم يأت ءابآءهم الا ولين * أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون * أم يقولون به جنة بل جآءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون * ولو اتبع الحق أهوآءهم لفسدت السماوات والا رض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون * أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين) * قوله تعالى: * (قد كانت ءايتى تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون) *. لما بين أن المترفين من الكفار إذا أخذهم ربهم بالعذاب، ضجوا وصاحوا واستغاثوا، وبين أنهم لا يغاثون كما أوضحناه آنفا بين سبب ذلك بقوله: * (قد كانت ءايتى) * أي التي أرسلت بها رسلي * (تتلى عليكم) *: تقرأ عليكم واضحة مفصلة، فكنتم على أعقابكم تنكصون: ترجعون عنها القهقرى. والعقب: مؤخر القدم، والنكوص: الرجوع عن الأمر، ومنه قوله تعالى: * (فلما ترآءت الفئتان نكص على عقبيه) * ومنه قول الشاعر: فلما ترآءت الفئتان نكص على عقبيه) * ومنه قول الشاعر:
* زعموا بأنهم على سبل النجا * ة وإنما نكص على الأعقاب * وهذا المعنى الذي ذكره هنا: أشار له في غير هذا الموضع كقوله تعالى * (قالوا ربنآ أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل * ذلكم بأنه إذا دعى الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلى الكبير) * فكفرهم عند الله ذكر الله وحده، من نكوصهم على أعقابهم، وبين في موضع آخر أنهم إذا تتلى عليهم آياته، لم يقتصروا على النكوص عنها، على أعقابهم، بل يكادون يبطشون بالذي يتلوها عليهم، لشدة بغضهم لها، وذلك في قوله تعالى: * (وإذا تتلى عليهم ءاياتنا بينات تعرف فى
(٣٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 333 334 335 336 337 338 339 340 341 342 343 ... » »»