بإحدى الهمزتين المذكورتين، هي المعروفة عندهم بأم المتصلة، والتي لم تسبق بواحدة منهما هي المعروفة بالمنقطعة كما هنا. وأم المنقطعة تأتي لثلاثة معان.
الأول: أن تكون بمعنى: بل الإضرابية.
الثاني: أن تكون بمعنى همزة استفهام الإنكار.
الثالث: أن تكون بمعناهما معا فتكون جامعة بين الإضراب والإنكار، وهذا الأخير هو الأكثر في معناها، خلافا لابن مالك في الخلاصة في اقتصاره على أنها بمعنى: بل في قوله: الثالث: أن تكون بمعناهما معا فتكون جامعة بين الإضراب والإنكار، وهذا الأخير هو الأكثر في معناها، خلافا لابن مالك في الخلاصة في اقتصاره على أنها بمعنى: بل في قوله:
* وبانقطاع وبمعنى بل وفت * إن تك مما قيدت به خلت * ومراده بخلوها مما قيدت به: ألا تسبقها إحدى الهمزتين المذكورتين، فإن سبقتها إحداهما، فهي المتصلة كما تقدم قريبا، وعلى ما ذكرنا فيكون المعنى متضمنا للاضراب عما قبله إضرابا انتقاليا، مع معنى استفهام الإنكار، فتضمن الآية الإنكار على الكفار في دعواهم: أن نبينا صلى الله عليه وسلم به جنة: أي جنون يعنون: أن هذا الحق الذي جاءهم به هذيان مجنون، قبحهم الله ما أجحدهم للحق، وما أكفرهم ودعواهم عليه هذه أنه مجنون كذبها الله هنا بقوله: * (بل جآءهم بالحق) * فالإضراب ببل إبطالي.
والمعنى: ليس بمجنون بل هو رسول كريم جاءكم بالحق الواضح، المؤيد بالمعجرات الذي يعرف كل عاقل، أنه حق، ولكن عاندتم وكفرتم لشدة كراهيتكم للحق، وما نفته هذه الآية الكريمة من دعواهم عليه الجنون صرح الله بنفيه في مواضع أخر كقوله تعالى: * (وما صاحبكم بمجنون) * وقوله تعالى: * (فمآ أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون) * وهذا الجنون الذي افترى على آخر الأنبياء، افترى أيضا على أولهم، كما تعالى في هذه السورة الكريمة عن قوم نوح أنهم قالوا فيه * (إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين) * وقد بين في موضع آخر أن الله لم يرسل رسولا إلا قال قومه: إنه ساحر، أو مجنون، كأنهم اجتمعوا فتواصوا على ذلك لتواطىء أقوالهم لرسلهم عليه، وذلك في قوله تعالى: * (كذلك مآ أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون * أتواصوا به بل هم قوم طاغون) * فبين أن سبب تواطئهم على ذلك ليس التواصي به، لاختلاف أزمنتهم، وأمكنتهم. ولكن الذي جمعهم على ذلك مشابهة بعضهم لبعض في الطغيان، وقد أوضح هذا المعنى في سورة