أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٣٢٨
الأولى: التي هي كونه: أنزله بقدر أشار إليها في قوله: * (وإن من شىء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) *.
والثانية: التي هي إسكانه الماء المنزل من السماء في الأرض بينها في قوله جل وعلا * (ألم تر أن الله أنزل من السمآء مآء فسلكه ينابيع فى الا رض) * والينبوع: الماء الكثير وقوله: * (فأنزلنا من السمآء ماء فأسقيناكموه ومآ أنتم له بخازنين) * على ما قدمنا في الحجر.
والثالثة: التي هي قدرته على إذهابه أشار لها في قوله تعالى: * (قل أرءيتم إن أصبح مآؤكم غورا فمن يأتيكم بمآء معين) * ويشبه معناها قوله تعالى: * (لو نشآء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون) * لأنه إذا صار ملحا أجاجا لا يمكن الشرب منه، ولا الانتفاع به صار في حكم المعدوم، وقد بين كيفية إنزاله الماء من السماء في قوله تعالى * (ألم تر أن الله يزجى سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله) * فصرح بأن الودق الذي هو المطر يخرج من خلال السحاب الذي هو المزن، وهو الوعاء الذي فيه الماء وبين أن السحابة تمتلئ من الماء حتى تكون ثقيلة لكثرة ما فيها من الماء في قوله تعالى: * (حتى إذآ أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت) * فقوله: ثقالا جمع تقيلة، وثقلها إنما هو بالماء الذي فيها وقوله تعالى: * (وينشىء السحاب الثقال) * جمع سحابة ثقيلة.
وهذه الآيات القرآنية تدل على أن الله يجمع الماء في المزن، ثم يخرجه من خلال السحاب، وخلال الشيء ثقوبه وفروجه التي هي غير مسدودة، وبين جل وعلا أنه هو الذي ينزله ويصرفه بين خلقه كيف يشاء، فيكثر المطر في بلاد قوم سنة، حتى يكثر فيها الخصب وتتزايد فيها النعم، ليبتلي أهلها في شكر النعمة، وهل يعتبرون بعظم الآية في إنزال الماء، ويقل المطر عليهم في بعض السنين، فتهلك مواشيهم من الجدب ولا تنبت زروعهم، ولا تثمر أشجارهم، ليبتليهم بذلك، هل يتوبون إليه، ويرجعون إلى ما يرضيه.
وبين أنه مع الإنعام العام على الخلق بإنزال المطر بالقدر المصلح وإسكان مائة في الأرض ليشربوا منه هم، وأنعامهم، وينتفعوا به أبى أكثرهم إلا الكفر به، وذلك في قوله تعالى: * (وأنزلنا من السمآء مآء طهورا لنحيى به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنآ أنعاما وأناسى كثيرا ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا) *.
(٣٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 333 ... » »»