أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٣٣٧
الخط، كما روي عن عائشة أنها قالت: ما بين دفتي المصحف كلام الله، والله تعالى أعلم.
قوله تعالى: * (حتى إذآ أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون * لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون) *. حتى هنا في هذه الآية التي يبتدأ بعدها الكلام، والكلام الجملة الشرطية، والعذاب الذي أخذهم ربهم به، قيل: هو عذاب يوم بدر بالقتل والأسر، وقيل: الجوع والقحط الشديد الذي أصابهم، لما دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف) فأصابهم بسبب دعوته صلى الله عليه وسلم من الجوع الشديد، عذاب أليم، وأظهرها عندي أنه أخذهم بالعذاب يوم القيامة. وقد بين تعالى في هاتين الآيتين أنه أخذ مترفيهم بالعذاب، والمترفون هم أصحاب النعمة والرفاهية في دار الدنيا. وهذا المعنى أشار له بقوله: * (وذرنى والمكذبين أولى النعمة ومهلهم قليلا * إن لدينآ أنكالا وجحيما * وطعاما ذا غصة وعذابا أليما) * فقوله: أولي النعمة يريد بهم: المترفين في الدنيا، وبين أنه سيعذبهم بعد التهديد بقوله: * (إن لدينآ أنكالا وجحيما) * وقوله: يجأرون، الجؤار: الصراخ باستغاثة، والعرب تقول: جأر الثور يجأر: صاح، فالجؤار كالخوار وفي بعض القراءات عجلا جسدا له جؤار بالجيم والهمزة: أي خوار، وجأر الرجل إلى الله: تضرع بالدعاء.
فمعنى الآية الكريمة: أن المنعمين في الدنيا من الكفار، إذا أخذهم الله بالعذاب يوم القيامة، صاحوا مستصرخين مستغيثين، يطلبون الخلاص مما هم فيه، وصراخهم واستغاثتهم المشار له هنا، جاء في آيات أخر كقوله تعالى: * (والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزى كل كفور وهم يصطرخون فيها ربنآ أخرجنا نعمل صالحا غير الذى كنا نعمل) * فقوله: يصطرخون: يفتعلون من الصراخ، مستغيثين يريدون الخروج مما هم فيه، بدليل قوله تعالى عنهم * (ربنآ أخرجنا نعمل صالحا غير الذى كنا نعمل) * فهذا الصراخ المذكور في هذه الآية العام للمترفين وغيرهم، هو الجؤار المذكور عن المترفين هنا، ومن إطلاق العرب الجؤار على الصراخ والدعاء للاستغاثة قول الأعشى
(٣٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 332 333 334 335 336 337 338 339 340 341 342 ... » »»