أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٢٧٣
وضعتها العرب للإخبار بعدد كثير نحو: كم. إذ لا دليل يجب الرجوع إليه على أن أصلها مركبة، ومن الدليل على أنها بسيطة: إثبات نونها في الخط لأن الأصل في نون التنوين عدم إثباتها في الخط، ودعوى أن التركيب جعلها كالنون الأصلية دعوى مجردة عن الدليل. واختار أبو حيان أنها غير مركبة، واستدل لذلك بتلاعب العرب بها في تعدد اللغات، فإن فيها خمس لغات اثنتان منها قد قدمناهما، وبينا أنهما قراءتان سبعيتان، لأن إحداهما قرأ بها ابن كثير والأخرى قرأ بها الجمهور. واللغة الثالثة فيها: كأين بهمزة ساكنة فياء مكسورة، والرابعة كيئن بياء ساكنة وهمزة مكسورة، الخامسة: كأن بهمزة مفتوحة ونون ساكنة اه، ولقد صدق أبو حيان في أن التلاعب بلفظ هذه الكلمة إلى هذه اللغات يدل على أن أصلها بسيطة لا مركبة. والله تعالى أعلم.
واعلم: أن ما يذكره كثير من المفسرين في تفسير هذه الآية الكريمة من أن البئر المعطلة، والقصر المشيد معروفان، وأنهما بحضرموت، وأن القصر مشرف على تلة جبل لا يرتقى إليه بحال، وأن البئر في سفحه لا تقر الرياح شيئا سقط فيها إلا أخرجته، وما يذكرونه أيضا من أن البئر هي: الرس، وأنها كانت بعدن باليمن بحضرموت في بلد يقال له: حضور، وأنها نزل بها أربعة آلاف ممن آمنوا بصالح، ونجوا من العذاب ومعهم صالح، فمات صالح، فسمي المكان حضرموت، لأن صالحا لما حضره مات فبنوا حضور وقعدوا على هذه البئر، وأمروا عليهم رجلا يقال له العلس بن جلاس بن سويد أو جلهس بن جلاس وكان حسن السيرة فيهم عاملا عليهم، وجعلوا وزيره سنجاريب بن سوادة، فأقاموا دهرا، وتناسلوا حتى كثروا، وكانت البئر تسقي المدينة كلها وباديتها، وجميع ما فيها من الدواب والغنم والبقر وغير ذلك، لأنها كانت لها بكرات كثيرة منصوبة عليها، ورجال كثيرون موكلون بها، وحياض كثيرة حولها تملأ للناس وحياض للدواب وحياض للغنم، وحياض للبقر، ولم يكن لهم ماء غيرها، وآل بهم الأمر إلى أن مات ملكهم وطلوا جثته بدهن يمنعها من التغيير، وأن الشيطان دخل في جثته، وزعم لهم أنه هو الملك، وأنه لم يمت ولكنه تغيب عنهم ليرى صنيعهم وأمرهم أن يضربوا بينهم وبين الجثة حجابا، وكان الشيطان يكلمهم من جثة الملك من وراء حجاب لئلا يطلعوا على الحقيقة أنه ميت، ولم يزل بهم حتى كفروا بالله تعالى فبعث الله إليهم نبيا اسمه: حنظلة بن صفوان يوحي إليه في النوم دون اليقظة، فأعلمهم أن الشيطان أضلهم وأخبرهم أن ملكهم قد مات، ونهاهم عن الشرك بالله ووعظهم ونصح لهم، وحذرهم عقاب ربهم، فقتلوا نبيهم المذكور في
(٢٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 ... » »»