السوق، وطرحوه في بئر فعند ذلك نزل بهم عقاب الله، فأصبحوا والبئر غار ماؤها، وتعطل رشاؤها فصاحوا بأجمعهم، وضج النساء والصبيان حتى مات الجميع من العطش، وأن تلك البئر هي البئر المعطلة في هذه الآية كله لا معول عليه، لأنه من جنس الإسرائيليات، وظاهر القرآن يدل على خلافه، لأن قوله: * (وكأين من قرية) * معناه. الإخبار بأن عددا كبيرا من القرى أهلكهم الله بظلمهم، وأن كثيرا من آبارهم بقيت معطلة بهلاك أهلها، وأن كثيرا من القصور المشيدة بقيت بعد هلاك أهلها بدونهم، لأن مميز كأين، وإن كان لفظه مفردا فمعناه يشمل عددا كثيرا كما هو معلوم في محله.
وقال أبو حيان في البحر المحيط وعن الإمام أبي القاسم الأنصاري قال: رأيت قبر صالح بالشام في بلدة يقال لها: عكا فكيف يكون بحضرموت، ومعلوم أن ديار قوم صالح التي أهلكوا فيها معروفة يمر بها الذاهب من المدينة إلى الشام، وقد قدمنا في سورة الحجر أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بها في طريقه إلى تبوك في غزوة تبوك. ومن المستبعد أن يقطع صالح، ومن آمن من قومه هذه المسافة الطويلة البعيدة من أرض الحجر إلى حضرموت من غير داع يدعوه ويضطره إلى ذلك، كما ترى. والعلم عند الله تعالى.
* (أفلم يسيروا فى الا رض فتكون لهم قلوب يعقلون بهآ أو ءاذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الا بصار ولاكن تعمى القلوب التى فى الصدور * ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون * وكأين من قرية أمليت لها وهى ظالمة ثم أخذتها وإلى المصير * قل ياأيها الناس إنمآ أنا لكم نذير مبين * فالذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم * والذين سعوا فىءاياتنا معاجزين أولائك أصحاب الجحيم * ومآ أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى إلا إذا تمنى ألقى الشيطان فى أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله ءاياته والله عليم حكيم * ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين فى قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفى شقاق بعيد * وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين ءامنوا إلى صراط مستقيم * ولا يزال الذين كفروا فى مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم * الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين ءامنوا وعملوا الصالحات فى جنات النعيم * والذين كفروا وكذبوا بأاياتنا فأولائك لهم عذاب مهين * والذين هاجروا فى سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين * ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم * ذالك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور * ذالك بأن الله يولج اليل فى النهار ويولج النهار فى اليل وأن الله سميع بصير * ذالك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلى الكبير) * قوله تعالى: * (أفلم يسيروا فى الا رض فتكون لهم قلوب يعقلون بهآ أو ءاذان يسمعون بها) *. بين الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن كفار مكة الذين كذبوا نبينا صلوات الله وسلامه عليه، ينبغي لهم أن يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها، أو آذان يسمعون بها، لأنهم إذا سافروا مروا بأماكن قوم صالح، وأماكن قوم لوط، وأماكن قوم هود، فوجدوا بلادهم خالية وآثارهم منطمسة لم يبق منهم داع ولا مجيب، لتكذيبهم رسلهم، وكفرهم بربهم، فيدركون بعقولهم: أن تكذيبهم نبيهم لا يؤمن أن يسبب لهم من سخط الله مثل ما حل بأولئك الذين مروا بمساكنهم خالية، قد عم أهلها الهلاك، وتكون لهم آذان يسمعون بها ما قص الله في كتابه على نبيه من أخبار تلك الأمم، وما أصابها من الإهلاك المستأصل والتدمير، فيحذروا أن يحل بهم مثل ما حل بأولئك.
والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة كقوله تعالى: * (أفلم يسيروا فى الا رض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم) * ثم بين تهديده لكفار مكة بما فعل بالأمم الماضية في قوله: * (وللكافرين أمثالها) * وكقوله في قوم لوط: * (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وباليل أفلا تعقلون) *