أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٢٧٦
والمعنى: هو منجز ما وعدهم به من العذاب، إذا جاء الوقت المحدد لذلك كما قال تعالى: * (ولولا أجل مسمى لجآءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون) * وقوله تعالى: * (ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون) * وقوله تعالى: * (أثم إذا ما وقع ءامنتم به ءآأن وقد كنتم به تستعجلون) * وبه تعلم أن الوعد يطلق في القرآن على الوعد بالشر.
ومن الآيات الموضحة لذلك قوله تعالى: * (قل أفأنبئكم بشر من ذالكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير) * فإنه قال في هذه الآية في النار: وعدها الله بصيغة الثلاثي الذي مصدره الوعد، ولم يقل أوعدها وما ذكر في هذه الآية، من أن ما وعد به الكفار من العذاب واقع لا محالة، وأنه لا يخلف وعده بذلك، جاء مبينا في غير هذا الموضع كقوله تعالى في سورة ق * (قال لا تختصموا لدى وقد قدمت إليكم بالوعيد ما يبدل القول لدى) * والصحيح أن المراد بقوله: * (ما يبدل القول لدى) * أن ما أوعد الكفار به من العذاب، لا يبدل لديه، بل هو واقع لا محالة، وقوله تعالى: * (كل كذب الرسل فحق وعيد) * أي وجب وثبت فلا يمكن عدم وقوعه بحال وقوله تعالى: * (إن كل إلا كذب الر سل فحق عقاب) * كما أوضحناه في كتابنا: دفع إيهام الاضطراب، عن آيات الكتاب في سورة الأنعام، في الكلام على قوله تعالى: * (قال النار مثواكم خالدين فيهآ إلا ما شآء الله) *. وأوضحنا أنما أوعد به الكفار لا يخلف بحال، كما دلت عليه الآيات المذكورة. أما ما أوعد به عصاة المسلمين، فهو الذي يجوز ألا ينفذه وأن يعفو كما قال تعالى: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشآء) *.
وبالتحقيق الذي ذكرنا: تعلم أن الوعد يطلق في الخير والشر كما بينا، وإنما شاع على ألسنة كثير من أهل التفسير، من أن الوعد لا يستعمل إلا في الوعد بخير وأنه هو الذي لا يخلفه الله، وأما إن كان المتوعد به شرا، فإنه وعيد وإيعاد. قالوا: إن العرب تعد الرجوع عن الوعد لؤما، وعن الإيعاد كرما، وذكروا عن الأصمعي أنه قال: كنت عند أبي عمرو بن العلاء، فجاءه عمرو بن عبيد فقال: يا أبا عمرو، هل يخلف الله الميعاد؟ فقال: لا، فذكر آية وعيد، فقال له: أمن العجم أنت؟ إن العرب تعد الرجوع عن الوعد لؤما وعن الإيعاد كرما، أما سمعت قول الشاعر:
(٢٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 ... » »»