أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٢٦٩
أرسل عليهم مطرا من حجارة السجيل في مواضع متعددة كقوله تعالى: * (فلما جآء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل) * ونحو ذلك من الآيات. وقد بين تعالى أنه أهلك أصحاب مدين بالصيحة في مواضع كقوله فيهم: * (وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا فى ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيهآ ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود) * إلى غير ذلك من الآيات وقد بين في مواضع كثيرة أنه أهلك الذين كذبوا موسى، وهم فرعون وقومه بالغرق كقوله: * (واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون) * وقوله تعالى: * (فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم) * وقوله تعالى: * (حتى إذآ أدركه الغرق قال ءامنت أنه لا إلاه إلا الذىءامنت به بنوا إسراءيل وأنا من المسلمين) * إلى غير ذلك من الآيات.
ومعلوم أن الآيات كثيرة في بيان ما أهلكت به هذه الأمم السبع المذكورة، وقد ذكرنا قليلا منها كالمثال لغيره، وكل ذلك يوضح معنى قوله تعالى بعد أن ذكر تكذيب الأمم السبع لأنبيائهم * (فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم) * أي بالعذاب، وهو ما ذكرنا بعض الآيات الدالة على تفاصيله وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: * (فكيف كان نكير) * النكير: اسم مصدر بمعنى الإنكار أي كيف كان إنكاري عليهم منكرهم، الذي هو كفرهم بي، وتكذيبهم رسلي، وهو ذلك العذاب المستأصل الذي بينا وبعده عذاب الآخرة الذي لا ينقطع نرجو الله لنا ولإخواننا المسلمين العافية من كل ما يسخط خالقنا، ويستوجب عقوبته. والجواب إنكارك عليهم بذلك العذاب واقع موقعه على أكمل وجه، لأن الجزاء من جنس العمل، فجزاء العمل البالغ غاية القبح بالنكال العظيم جزاء وفاق واقع موقعه، فسبحان الحكيم الخبير الذي لا يضع الأمر إلا في موضعه ولا يوقعه إلا في موقعه، وقرأ هذا الحرف ورش وحده عن نافع: * (فكيف كان نكير) * بياء المتكلم بعد الراء وصلا فقط وقرأ الباقون بحذفها اكتفاء بالكسرة عن الياء.
قوله تعالى: * (فكأين من قرية أهلكناها وهى ظالمة فهى خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد) *. بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه أهلك كثيرا من القرى في حال كونها ظالمة: أي بسبب ذلك الظلم، وهو الكفر بالله وتكذيب رسله، فصارت بسبب الإهلاك والتدمير ديارها متهدمة وآبارها معطلة، لا يسقي منها شيء لإهلاك أهلها الذين كانوا يستقون منها.
(٢٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 ... » »»