أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٤٣
الأمة، ولا يسمى هذا سحرا في الشرع. وتارة تكون الحال فاسدة لا يمتثل صاحبها ما أمر الله تعالى به ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يتصرف بها في ذلك. فهذه حال الأشقياء المخالفين للشريعة، ولا يدل إعطاء الله إياهم هذه الأحوال على محبته لهم. كما أن الدجال له من خوارق العادات ما دلت عليه الأحاديث الكثيرة، مع أنه مذموم شرعا لعنه الله. وكذلك من شابهه من مخالفي الشريعة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام انتهى كلام ابن كثير رحمه الله تعالى.
النوع الثالث من أنواع السحر المذكورة الاستعانة بالأرواح الأرضية، يعني تسخير الجن واستخدامهم. قال:
واعلم أن القول بالجن مما أنكره بعض المتأخرين من الفلاسفة والمعتزلة. أما أكابر الفلاسفة فلم ينكروا القول بها. إلا أنهم سموها بالأرواح الأرضية. والجن المذكورون قسمان: مؤمنون، وكافرون وهم الشياطين.
قال الرازي في كلامه على هذا النوع من السحر: واتصال النفوس الناطقة بها أسهل من اتصالها بالأرواح السماوية لما بينهما من المناسبة والقرب. ثم إن أصحاب الصنعة وأصحاب التجربة شاهدوا بأن الاتصال بهذه الأرواح الأرضية يحصل بأعمال سهلة من الرقى والدخن والتجريد. وهذا النوع هو المسمى بالعزائم، وعمل تسخير الجن. وقد أطال الرازي أيضا الكلام في هذا النوع من أنواع السحر.
النوع الرابع من أنواع السحر هو التخيلات والأخذ بالعيون. ومبنى هذا النوع منه على أن القوة الباصرة قد ترى الشيء على خلاف ما هو عليه في الحقيقة لبعض الأسباب العارضة. ولأجل هذا كانت أغلاط البصر كثيرة. ألا ترى أن راكب السفينة إذا نظر إلى الشط رأى السفينة واقفة والشط متحركا، وذلك يدل على أن الساكن يرى متحركا. والمتحرك ساكنا. والقطرة النازلة ترى خطا مستقيما. إلى آخر كلام الرازي. وقد أطال الكلام أيضا في هذا النوع.
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره في سورة (البقرة) مختصرا كلام الرازي المذكور: ومبناه على أن البصر قد يخطئ ويشتغل بالشيء المعين دون غيره. ألا ترى ذا الشعبذة الحاذق يظهر عمل شيء يذهل أذهان الناظرين به، وبأخذ عيوبهم إليه، حتى إذا استغرقهم الشغل بذلك الشيء بالتحديق ونحوه عمل شيئا آخر عملا بسرعة شديدة، وحينئذ، يظهر لهم شيء غير ما انتظروه فيتعجبون منه جدا، ولو أنه سكت ولم يتكلم بما
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»