قدمناه موضحا: (من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما)، قالوا: ومن جاوز الميقات غير محرم، وهو يريد النسك فقد ترك من نسكه شيئا، وهو الإحرام من الميقات، فيلزمه الدم.
وأظهر أقوال أهل العلم عندي: أنه إن جاوز الميقات، ثم رجع إلى الميقات، وهو لم يحرم أنه لا شيء عليه، لأنه لم يبتدئ إحرامه، إلا من الميقات، وأنه إن جاوز الميقات غير محرم، وأحرم في حال مجاوزته الميقات، ثم رجع إلى الميقات محرما أن عليه دما لإحرامه بعد الميقات، ولو رجع إلى الميقات فإن ذلك لا يرفع حكم إحرامه مجاوزا للميقات. والله تعالى أعلم.
الفرع الثامن: في الكلام على مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس المتفق عليه ممن أراد النسك، ومفهومه صادق بصورتين:
إحداهما: أن يمر إنسان على واحد من هذه المواقيت المذكورة وهو لا يريد النسك، ولا دخول مكة أصلا كالذي يمر بذي الحليفة قاصدا الشام أو نجدا مثلا وهذه الصورة لا خلاف في أنه لا يلزمه فيها الإحرام، وأن مفهوم قوله: ممن أراد النسك دالا على أنه لا إحرام عليه في هذه الصورة.
والثانية: هي أن يمر على واحد من هذه المواقيت وهو لا يريد حجا، ولا عمرة، ولكنه يريد دخول مكة، لقضاء حاجة أخرى.
وهذه الصورة اختلف فيها أهل العلم، فقال بعض أهل العلم: لا يجوز لأحد دخول مكة بغير إحرام، ولو كان دخوله لغرض آخر غير النسك. وقال بعضهم: إذا كان دخوله مكة لغرض غير النسك، فلا مانع من دخوله غير محرم، والخلاف في هذه المسألة مشهور بين أهل العلم.
وقال ابن حجر في فتح الباري: في باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام في هذه المسألة: وقد اختلف العلماء في هذا. فالمشهور من مذهب الشافعي عدم الوجوب مطلقا، وفي قول: يجب مطلقا، وفيمن يتكرر منه دخولها خلاف، وهو أولى بعدم الوجوب. والمشهور عن الأئمة الثلاثة: الوجوب. وفي رواية عن كل منهم لا يجب، وهو قول ابن عمر والزهري والحسن، وأهل الظاهر، وجزم الحنابلة باستثناء ذوي الحاجات المتكررة، واستثنى الحنفية من كان داخل الميقات، وزعم ابن عبد البر أن أكثر